اللغة التي يستخدمها الإسرائيليون والفلسطينيون من أجل وصف الأحداث المؤلمة التي تمرّ علينا في الأيام الأخيرة تدلّ على كم نميل إلى استخدام الكلمات لاستبعاد العدوّ وللتقليل من إنسانيّته.
تطرّقت وسائل الإعلام الفلسطينية – بلا استثناء تقريبًا – إلى الشبان الثلاثة المختطفين بوصفهم “مستوطنين” وأحيانًا “مجنّدين”. رغم أنّ واحدًا فقط من بين الشبان الثلاثة يعيش خارج الخط الأخضر، لم تجرؤ أي جهة من الإعلام الفلسطيني، كما يبدو، على الاختلاف مع الوصف التقليدي. وقد انتشر هذا التعريف أيضًا في وكالات الأنباء المعتدلة مثل “معًا” بل وحتى في النسخة العربية لعناوين وكالات أنباء عالمية مثل رويترز أو BBC بالعربية.
لم يهتمّ الإعلام الفلسطيني بأبي مازن الذي تطرّق في خطابه أمام مؤتمَر وزراء خارجية الدول المسلمة في الضفة في 18 حزيران لـ “الشبان الثلاثة” الذين “اختطفوا”. أنشأ التطرّق إليهم كمستوطنين تغريبًا واجتثاثًا وجعل القارئ الفلسطيني يشعر تجاههم بالعداء وتبرير اختطافهم باعتباره أمرًا مشروعًا. وأكثر من ذلك عندما تمّ تصنيفهم كجنود مقاتلين، كما أصرّ زعيم حماس خالد مشعل على وصفهم في مقابلة مع الجزيرة الأسبوع الماضي.
كانت الإشارة في وسائل الإعلام الفلسطينية للشبان اليهود، الذين بقوا غالبًا مجهولي الاسم، مغايرة بشكل محسوس لإشارتها لاختطاف وقتل الشاب الفلسطيني أبو خضير. لقد ذُكر الشاب في الإعلام الفلسطيني باسمه، مع إضافة اللقب “الفتى” أو “الطفل”. أما المخطوفون، الذين لم يتمّ التعرّف على هويّتهم أو القبض عليهم بعد حتى كتابة هذه السطور، حظوا بوصف “المستوطنين”.
إنّ عزو الأفراد المجهولين لمجتمع واسع أكثر لم يميّز الجانب الفلسطيني فقط. ظهرت الظاهرة ذاتها في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي – اليهودي، حتى وإنْ كانت بشكل أقلّ بروزًا.
يمكننا التخمين بدرجة ما من اليقين الموقف السياسي للمتحدّث الإسرائيلي وفقًا للكلمة التي يختار استخدامها في وصفه لأبناء الشعب الذين يعيشون بجوارنا. إنّ استخدام العنوان الشمولي “العرب” يميّز الخطاب اليميني، الذي يلغي بشكل قاطع تعريفهم كجماعة قومية منفصلة ضمن جماعة عربية أوسع. يميل اليساريّون الذين يحملون حساسية أكبر تجاه الموضوع إلى استخدام تعريفهم الذاتي كـ “فلسطينيين”، والذي تمّ استخدامه في معظم وسائل الإعلام في إسرائيل.
ولكن واقع التغريب قائم لدينا أيضًا. غالبًا ما يشير الإعلام الإسرائيلي إلى القتيل الفلسطيني (في التقارير عن حوادث الطرق، على سبيل المثال) فقط وفقًا لانتمائه القومي، دون ذكر اسمه. وحين يتمّ ذكر الاسم فغالبًا ما يكون مشوّهًا من قبل الصحفيّين والمذيعين من غير الناطقين بالعربية ولا يقمهون معنى الاسم أو الحاجة إلى التدقيق في التلفّظ به. تنشئ هذه الظاهرة أيضًا إقصاءً واغترابًا بين المجموعات السكانية.
في خطابه في اجتماع “تدفيع الثمن” في القدس في 2 تموز، تحدّث الحاخام بيني لاو عن المسافة النفسية التي تشكّلت في المجتمع اليهودي في إسرائيل لعدم استخدام اسم القتيل الفلسطيني. “كنت أريد أن أعرف اسم ذلك الشاب العربي الذي قُتل، كما حفظنا غيبًا أسماء إيال، جلعاد، نفتالي وأمهاتهم”.
“ماذا يوجد في الاسم؟” تسأل جولييت حبيبها روميو في مسرحية شكسبير الشهيرة، تحاول أن تشرح له بأنّ حبّها له سيسود ضدّ التسميات التعسّفية، رغم كلّ شيء. ولكن الأسماء، كما يتّضح، هي أداة نفسية مهمّة جدًا لإيجاد التقارب بين الناس. وهكذا أيضًا الكلمات التي نستخدمها لوصف صراعنا الدامي.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع Canthink