رغم حظر ترجمة القرآن، أدى الاهتمام الكبير به إلى ترجمته إلى كل لغات العالم تقريبا، وإلى العبريّة أيضا، وهي لغة التوراة. منذ سنوات يحاول المثقفون المختلفون ترجمة القرآن إلى العبريّة. وردت محاولات ترجمة القرآن الأولى إلى العبرية، قبل مئات السنوات، من لغات مثل اللاتينية أو الإيطالية، ورغم أنه في المائتين عاما الماضية، يحرص المترجمون إلى العبريّة على الاعتماد في ترجماتهم على اللغة العربية، لغة المصدر للقرآن، فلا يسّهل هذا على عملهم.
القرآن واحد ولكن لماذا هناك الكثير من الترجمات؟
تمثل كل ترجمة جديدة للقرآن نسخة أكثر حداثة وملاءمة للغة العبريّة الحديثة، وللتقدم في أبحاث القرآن وفهمه، التي ما زالت تشغل بال خيرة الباحثين في يومنا هذا.
تتجسد إحدى الصعوبات الكبيرة في ترجمة القرآن إلى لغة أخرى في الأسلوب اللغوي. تنقل لغة القرآن العربية إلى قرائها شعورا بالقداسة والسعادة وهي لا تُستخدم في الحياة اليومية. بهدف العثور على أسلوب لغوي مواز، حاول المترجمون استخدام اللغة اليهودية المقدسة وهي لغة التوراة. لذا، أسلوبيا، أصبح القرآن باللغة العبرية أشبه بالكتب المقدسة اليهودية.
تكمن المشكلة في أن لغة القرآن كما هي الحال مع لغة التوراة ليست متاحة أمام كل الناطقين بالعبرية. فهي لغة بليغة وتختلف جدا عن العبريّة المعاصرة. بناء على هذا أصبح جزء من القرآن المترجم إلى العبريّة صعبا للقراءة من قبل القارئ الإسرائيلي، الذي ليست متوفرة أمامه تفسيرات يستعين بها.
تتضمن الترجمة شرحا للمعنى أيضا، ويتم اختيار معنى واحد من بين معان كثيرة أثناء الترجمة. من هنا، أضاف مترجمو القرآن إلى العبريّة مصادر للصيغ المقابلة للقرآن في اليهودية والمسيحية، ملاحظات تاريخية، معلومات حول شخصيات مذكورة في القرآن، ولمحة عن تفسيرات مختلفة.
أدت الصعوبات الكثيرة في ترجمة القرآن إلى العبريّة والمهارة الكبيرة المطلوبة إلى أن يكون مترجمو القرآن خبراء دائمًا تقريبا، وأن يكرسوا وقتا طويلا للبحث في الكتاب المقدس، قبل أن يجرأوا على ترجمته.
مثلا، عمل المستشرق اليهودي والباحث في شؤون الإسلام، يوسف ريفلين، والد رئيس الدولة الحالي، على ترجمة القرآن طيلة سنوات، وحصل على استشارة مكثّفة من الشاعر الوطني الإسرائيلي، حاييم نحمان بياليك. كان يعد القرآن الذي ترجمه إلى العبرية ونُشر في عام 1936 طيلة عشرات السنوات الترجمة الكلاسيكية، الرائعة، والمفضّلة. يتحدث الرئيس ريفيلن متفاخرا عن عمل والده هذا مع المسلمين في كل فرصة.
ما هو الهدف من ترجمة القرآن إلى العبريّة؟
ما هي الدافعية لدى مترجمي القرآن إلى العبريّة؟ هل الهدف هو ديني أي أن يتنور اليهود أكثر ويعتنقوا الإسلام، أم لأسباب علمية، بهدف البحث الأكاديمي؟ هل الهدف هو توفير أدوات للادعاءات الديماوغوغية والواقعية ضد المؤمنين المسلمين أو المصالحة عبر التعرّف إلى الدين الإسلامي بشكل مباشر؟
قال المترجم المسلم الوحيد للقرآن إلى العبرية، صبحي عدوي، الذي نُشرت ترجماته عام 2016 في مقابله معه: “لا تهدف ترجمة القرآن إلى توجيه انتقاد أو إثارة استفزاز ضد أحد بل إلى وضع صيغة أصلية من القرآن باللغة العبرية بين أيدي القارئ اليهودي. يُقال إن الإسلام لديه علاقة بالإرهاب، الترهيب، وسفك الدماء. هذا ليس صحيحا. فهو يتضمن عبارة معادية للتطرف خلافا لما يعتقدون [اليهود]. إنه يدعو إلى التسامُح والسلام. لكنه لا يشجع على قتل البشر – وهذا المفهوم خاطئ”.
وقال صبحي أيضا: “ليست لدي أية مصلحة دينية أو سياسية”، موضحا أنه لا يطمح إلى أن يؤثر في أي يهودي لاعتناق الإسلام من خلال ترجمته للقرآن.
وفق أقوال البروفيسور أوري روبين الذي نُشر القرآن بالعبرية في عام 2005 بعد أن ترجمه، إن الهدف هو: “خلق نسخة عبرية تعكس التفسيرات الأفضل بين مفسري القرآن المسلمين”. أهم ما كان يطمح إليه روبين عندما ترجم القرآن هو أن يعرض على القراء اليهود كيف يفسّره المؤمنون المسلمون ورجال الدين المسلمين.
ما هي ردة فعل اليهود عند قراءة القرآن بالعبرية؟
مثلا، يمكن أن نلاحظ كيف علق ناقد الأدب الإسرائيلي، مناحيم بن، الذي لا يتحدث العربية وليس خبيرا في الإسلام، عندما قرأ إحدى ترجمات القرآن بالعبرية: “كل ما علينا، نحن أبناء الشعب الإسرائيلي، العمل عليه وفق القرآن هو أن نؤمن بالتوراة، ولكن أن نحترم إيمان العرب”، هذا ما كتبه قبل بضعة شهور في صحيفة “هآرتس”. “وفق النبي محمد، فإن القرآن ما هو سوى توراة موسى بالصيغة العربية الخاصة: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” (سورة المائدة، الآية 44).
يتمتع ناقد الأدب، بن بقراءة القرآن. حتى أنه تطرق إلى الادعاءات والشائعات وكأن القرآن يتضمن تشجيعا على كراهية اليهود، وكتب: “الأقوال الكاذبة وكأنه ورد في القرآن أن اليهود هم من فصيلة القردة والخنازير، كاذبة حقا وتهدف إلى الدعاية الفظيعة لنشر الكراهية بين شعوب العالم، في حين أن حقيقة الإسلام وفق القرآن تختلف تماما”.
“ربما يعرف الكثير منا أقوال الشجب الكثيرة والصعبة الواردة في القرآن ضد اليهود. ولكن هل نعرف جيدا الآيات التي تتحدث عن التسامُح الهام في القرآن؟”، هذا وفق ما كتبه لاعب الشطرنج البارز ومحاضر اللغة العربية في جامعة تل أبيب، يسرائيل شرنتسل، في صحيفة “هآرتس”، مقدما مثالا على الآيات: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (3: 46)، “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” (5: 48)، وآية “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (2: 156).
توصل شرنتسل إلى الاستنتاج غير المفهوم ضمنا لمن لم يقرأ القرآن وهو أنه يمكن فهم القرآن بصفته وسيلة للتحريض والعنف، ووسيلة للسلام على حد سواء. “أنا لست غبيا لأن أفكر في أن التغييرات الفكرية التي أتمناها أنا والكثيرون من اليهود والإسلام، باتت قاب قوسين أو أدنى. قال الكثيرون سابقا إن الدين ثنائي الوجهين: فهو يتضمن أجزاء تساهم في رفاهية الإنسان ومجده، وكذلك أجزاء تُسبب التطرف، الكراهية، والأعمال الرهيبة”.