في وقتنا الحاضر يُدار نوعان من الأسواق: السوق الغربي والبازار الشرقي. في السوق الغربي الأسعار معروفة مسبقا لأنه يتم تضمينها – وفقا للقانون – على البضائع، وكل زبون يدفع ثمنا مساويا، سواء كان حريصا على شراء البضاعة أو كان بإمكانه تنظيم أموره جيّدا دونها.
في المقابل، في الشرق الأوسط تُسيطر ثقافة البازار. في هذه الثقافة يجري التفاعل بين البائع والمشتري على أساس مختلف تماما. فهنا يتم تحديد السعر في كل لحظة وفقا لعدة متغيّرات: إلى أي مدى يحتاج البائع المال الذي سيحصل عليه من البيع، إلى أي مدى يحرص المشتري على شراء البضاعة، إلى أي مدى يشعر البائع بالقلق من أن يتركه الزبون ويبحث عن بائع آخر.
يذهب ابن الغرب إلى البازار الشرق أوسطي، يثمل من الروائح، يرتبك من المرايا، يدوخ من الألوان، يتحمّس من الموسيقى ويشمئز من الزحام. يتجوّل في البازار وهو مضغوط في الوقت يركض من متجر لآخر ليستطيع شراء أكبر كمّ من الأشياء. إنه لا يساوم لأنّه لا يملك الوقت ولأنّه ليس معتادا على القيام بذلك في أمريكا. إنه يظن أصلا أنّه ليس من الاحترام أنّ يقف ويحاول تخفيض السعر.
بضائع تالفة بسعر مرتفع
تعكس المفاوضات التي جرت في 16 عاما الأخيرة بين إيران والغرب تماما الفروق بين هاتين الثقافتين. الإيرانيون، هم سحرة ثقافة البازار، حيث التقية والخدعة هي عنصر أساسي في ثقافتهم الشيعية. جلبت الفروق بين ثقافة السائح الأجنبي وثقافة البازار الفارسي النتيجة المريرة، حيث حصل الإيرانيون على العملة الأهم بالنسبة لديهم: الوقت، ودفعوا القليل من العقوبات، والآن هم يرون كيف أن هذا الدفع يتبدّد، وفي الأساس: وفّروا القليل جدا من البضاعة من حيث القيود المفروضة على برنامجهم النووي العسكري.
لعب الإيرانيون كل الوقت دور البائع الذي لا يريد بيع بضاعته إطلاقا، والذي لديه كل الوقت الذي في العالم. لقد باعوا بضاعة تالفة مرة تلو أخرى بطريقة الاتفاقات التي لم ينفذوها، ولم يستنتج الغرب الاستنتاج الوحيد الواضح: أنهم يستخدمون الكذب بخداع متطور. السبب هو أنه لا يوجد سواهم بائع آخر في السوق، ومن الواجب على الغرب – هكذا يشعر قادتنا – أن يصل إلى اتفاق مع إيران بأي ثمن. لم يشعر الإيرانيون أبدا بأن الغرب قادر أو يرغب بإعطائهم – لآيات الله – ضربة واحدة ملحمية تطردهم من البازار إلى الصحراء من أجل جلب بائع آخر مكانهم. إذن فلماذا سيتصرّفون بطريقة أخرى؟
لعب الغرب دور السائح المغفّل في طرق البازار: بثّ قادة القوى العظمى القيود الزمنية، لأنهم ملزمون بأن يأتوا لشعوبهم باتفاق قبيل الانتخابات القريبة بحيث يمكنهم التباهي به والقول: “لقد جلبت السلام في عهدي”. شعر الإيرانيون بالضغط ورفعوا من السعر، خفّضوا جودة البضاعة وباعوا في النهاية اتفاقات لم ينفذوها.
لقد لجأوا إلى تكتيك الاستنزاف: إعطاء الغرب طرف خيط على شكل تنازل ما، أمسك الغرب به حتى يكتشف فقط أنّه غير مربوط بشيء. ولكن الشيء الأساسي، المركزي، هو ابتسامات روحاني. تلك التي أسرت قلوب المفاوضين الذين بحثوا فقط عن الغمّازات في ابتساماته. لقد كانوا سعداء من الارتياح قائلين: إنه ليس أحمدي نجاد، إنه رجل جديد، لطيف، مبتسم، ومن غير الممكن أن يكون قد ضحك علينا لأنه ليس من المتطرفين. إنه رجلنا لأنه يتحدث الإنجليزية، يتصفّح في الإنترنت ويستخدم هاتفا ذكيا جديدا.
احتيال القرن

لقد نجح البازار الإيراني بشكل كبير، وسقط السائح الغربي مجدّدا: ودفع أيضًا الثمن على شكل وقت إضافي للإيرانيين، وأيضا لم يحصل على البضاعة لأنه لا يملك اتفاقا، وغير واثق إطلاقا بأنّه سيحصل على ما يريد يوما ما لأنّ إيران قادرة على التوصل إلى القنبلة قبل الاتّفاق الذي بعد سبعة أشهر.
لم يفهم ممثّلو القوى العظمى الغربية شيئا واحدا أساسيا: هناك شيء واحد فقط يُدخل الإيراني في ضغوط وهو غير مستعد لدفعه: بقاء حكم آيات الله. لم يضع الغرب أبدا تهديدا حقيقيا على حكم آيات الله، إذن فلماذا يقومون بالتنازلات للتوصل إلى اتفاق؟
الخطير أنه كان هناك أشخاص حذّروا القوى العظمى الغربية من السقوط في حفرة البازار الإيراني، ومن بينهم بنيامين نتنياهو، حتى في الفترة التي سبقت انتخابه كرئيس لحكومة إسرائيل. كتب هارولد رود أمورا صريحة، ونشر كاتب هذه السطور أيضًا كلاما بهذا المعنى. مشكلة أولئك الذين جلسوا مع الإيرانيين هي أنّهم ظنّوا بأنّهم يعرفون كيف يتصرف الإيراني، وصدّقوا كذبات أبطال التقية، واحتيال خبراء الخدعة.
سيتحدّث التاريخ بابتسامة حزينة كيف خدعت دولة مارقة وعازمة رجالا أذكياء ومتعلّمين، أصحاب قوة كبيرة ولكنهم غير مستعدين نفسيا لاستخدامه، وقام بإسقاطهم في فخّ البازار الفارسي، والذي ينجو منه فقط من تعلّم كيف يتصرف فيه.
نُشرت مقالة الرأي هذه للمرة الأولى في موقع ميدا