هذه الكلمات ليست مقطعًا من موقع البيان الرسمي لدولة إسرائيل، أو من فم أمريكي يميني مؤيد لإسرائيل. بل كُتبت في أحد مواقع الأخبار الكبرى البارزة في العالم العربي، كرد على اكتشاف جثث الفتيان الثلاثة. ويمكن رؤية ردود مشابهة من العرب في كل أرجاء العالم في مواقع الإنترنت المختلفة لشبكات الأخبار العربية.
وكانت نفس الشبكات، مثل الجزيرة القطرية و RT الروسية (بالعربية طبعًا)، التي تسيّطر عمليًّا على تأطير الحوار وعرض الأحداث في العالم العربي، الأُولى التي نشرت عن اكتشاف جثث القتلى، وقتًا طويلا قبل أن يُسمح بالنشر على الشبكات الإسرائيلية. في معظم القنوات، استُخدمت تعابير سلبية وتم ذكر الفتيان كـ “مستوطنين مفقودين”- لا شرعية للمستوطنين ودمهم مباح، وللوهلة الأولى؛ مفقودين، على عكس مخطوفين، كي يفتحوا الباب على مصراعيه للاتهامات التي ألقيت على إسرائيل بأنها لفّقت قصة الخطف.
لكن، من ضمن كل هذا كانت مقالة واسعة في شبكة “العربية” السعودية، تحت عنوان “وجدت إسرائيل جثث المخطوفين.. ويهدد نتنياهو حماس”، التي نشرت عن الأحداث بصورة معتدلة وموضوعية نسبيًّا لباقي الشبكات. هذه المقالة استقطبت الكثير من الردود المثيرة والمفاجئة، التي تُلقي ضوءًا على ما يبدو ظاهريًّا جبهة “عربية” موحدة ومتكتلة التي تقول “لا” في كل مرة يذكر فيها اسم إسرائيل. تكشف الردود غيضًا من فيض ما يجري خلف الأبواب- لا جدار بعد الآن وراء ما يُدعى “القضية الفلسطينية”، وإنما آراء أخرى متنوعة، تخرج عن القاعدة العرفية. كما يبدو، كل هذا لم يكن ليحصل لولا تخفية الاسم والغطاء الذي تتيحه شبكة الإنترنت.
يحسدون إسرائيل، ويهاجمون حماس
هذا ما كتبه متصفح سمّى نفسه “مهاجر إلى الماضي”، وهو يعبّر عن إعجابه من الصورة التي تتعامل دولة إسرائيل كلها مع الحدث. وكتب “طارق” من الأردن أيضًا أشياء مشابهة، على خلفية مئات المتطوعين الذين ساهموا في العثور على الجثث: “يبحث آلاف الجنود ومئات المتطوعين عن الفتيان المخطوفين الثلاثة، بينما نحن العرب، لدينا مئات المغتربين ومئات المخطوفين…”
تطرقت ردود أخرى تطرقًا عامًا إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. بل تجرأ بعضهم وأبدى تعاطفًا وتأييدًا للجانب الإسرائيلي: “إسرائيل أرحم من العرب بألف مرة”، كتب أحدهم، “شكرًا لإسرائيل… لو كان بيدي لذهبت للعيش مع الإسرائيليين”. على سبيل النفي، أبدى الكثير منهم رأيه عن حماس، إبداء قاطعًا. مثلا، تحت عنوان “حقك يا نتنياهو”، حضّ متصفح اسمه “فهد” رئيس حكومة إسرائيل “بالإسراع (في ضرب حماس)، والتركيز على إسماعيل هنية”. وكتب حمد رشيد وطالب “بردّ إسرائيلي قوي، وكتب: “هوية القاتل (حماس) معروفة، ستدفع الثمن إن شاء الله”.
بعض الرادّين ردّ محتدّا على الخطف، من ناحية الضرر التكتيكي الذي سببه للفلسطينيين خاصة، والعرب عامة. انتقد المدعو “عقيرب” الخطف، وكتب تحت عنوان “الغبي يبقى غبيًّا” لأن حماس “قتلت ثلاثة مستوطنين وأزهقت أرواحهم، ولم تفكر بأن الشعب الفلسطيني هو من سيدفع الثمن”. ادعى “محمد” بحدّة أن هذه الأفعال تمنح الجيش مبررات:
بل إن المتصفح “حلبي أصلي” حث حماس على عقد مؤتمر صحفي.. وإنكار كل التهم الموجهة لها مطلقًا. يجب عليها أن تعلن أنها متمسكة بحل السلام”، وهذا من أجل منع تمكين جيش الاحتلال” من مهاجمة غزة، وكي “تحافظ على أرواح الناس”.
“أكثر صهيونية من الصهيونيين“
لكن الجدال هو الجدال، ستجد من يجادل دائمًا. أبدى قسم من الكاتبين غضبًا عارمًا على الردود التي تنتقد الخطف وتدعي أنها “تساعد العدو”. هاجم المتصفح “أحمد رزق” وكتب أن “هؤلاء هم من يعطون للصهيونيين” القوة لتدمير الشعب الفلسطيني، هذه الردود تمكنهم من ذلك… (الخطف) ويشكل جزءًا من أعمال المقاومة للشعب الفلسطيني، من حقنا القانوني وسنستمر في المقاومة… ولن نصغي إليكم أيها المعلقين الذين تعترضون على الموضوع”.
وأكثر من كل ذلك، رد فعل “دبور” يبدي حقًا اشمئزازًا مما يحدث، لكن في نفس الوقت يعكس مدى إحساس قارئ الردود غير العربي:
تنوع الردود أمامنا يعطينا نظره، صغيرة نعم، من عالم الناطقين بالعربية على الشبكة. بالطبع لا يمكن القول إنه يعكس الوضع، وما تزال ردود كثيرة تتراوح بين اللاسامية وضدّ الصهيونية. لكن، تثبت هذه الأصوات أنه رغم كل شيء، فإن العالم العربي غير مصنوع من معدن واحد، وأن المصالح متنوعة وكثيرة. الصورة التي ينبغي فيها على كل إنسان لغته الأم عربية أن يدعم تلقائيًّا الفلسطينيين ويعارض وجود إسرائيل، تلاشت وانتهى سريان مفعولها.
من يتعامل مع الإعلام في العالم العربي يكتشف أن أسهم إسرائيل ارتفعت بنسبة منخفضة في السنوات الأخيرة في العالم العربي، وتشمل الأسباب لذلك دخول أصوات إسرائيلية باللغة العربية، الرسمية وغير الرسمية، إلى الجمهور الشرق أوسطي، على طوائفه ومذاهبه المختلفة. من الآن يمكن تذويت أن هنالك في الواقع مجال تعبير كبير مما كان في السابق، وأن تصريحات هذا المسؤول عربي أو ذاك لا تمثل الكل، وإنما هدفها أن تغرس في قلوب القارئين مشاعر وحدة مفبركة من أجل الدعاية، الضرر المبدئي، والحرب النفسية.
روني بيالر هو المحرر الرئيسي لمجلة الإنترنت إسرائيل بالعربية ومتخصص في الإعلام العربي. يوجه الكاتب شكره لسريت شاتس على المساهمة في كتابة المقالة.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا.