تنظر إسرائيل إلى العقوبات الجديدة المفروضة على إيران كأعجوبة تتجسد أمامها. حالة استثنائية فيها تغيير اتجاه الأمور على نحو معاكس، أن كان يبدو أن المحاولات لن تنجح. للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، النظام الإيراني بعد أن حظي باعتراف دولي وانتعش، وبسط سيطرته إقليميا، ينتقل إلى الدفاع. من وجهة إيجابية، يتوقع أن تفرض العقوبات الجديدة على الإيرانيين العمل على المستوى الداخلي، أي على صمود نظام آيات الله، ما سيؤدي إلى استنزاف معظم الموارد، وعدم السماح باستثمارها في مشاريع إقليمية جنونية مثل تلك التي شهدناها في سوريا، اليمن، العراق، وفي غزة أيضا.
ففي حين أن إسرائيل راضية جدا، هناك جهات في واشنطن راضية أقل، لا سيما من بين تلك التي شجعت على انسحاب أمريكيا من الاتفاق النووي الإيراني وطالبت بفرض عقوبات. إن الموافقة الخاصة التي حصلت عليها ثماني دول لشراء النفط الإيراني، ممارسة نشاطات في ثلاث مفاعل إيرانية، وغيرها، تترك انطباعا أن الأوروبيين حققوا مصالح كافية من ترامب للحفاظ على الاتفاق، وأكثر من ذلك، هناك جهات معينة في الإدارة الأمريكية تطمح إلى إجراء صفقة جديدة مع إيران. يبدو أن هذا ليس واقعيا حاليا، ولكن يجري الحديث عن ترامب، لهذا من الصعب تقييم خطواته القادمة، لا سيما أنه أعلن أنه معني بإجراء صفقة مع الإيرانيين، وناشد الإيرانيين العودة إلى طاولة المفاوضات. يجدر الانتباه أيضا إلى حقيقة أن ترامب يتحفظ من الخطاب الذي يتطرق إلى إسقاط النظام الإيراني. فهو يذكّره بتورط جورج بوش في العراق. يمكن القول إن ترامب رجل أعمال يحب الصفقات.
أيا كان الأمر، يجري الحديث عن فرصة ذهبية. ففي الأشهر القريبة، سيصبح النظام الإيراني أكثر حساسية وفقرا. إذ ستتقلص الموارد التي كان يستثمرها في مناطق مثل سوريا، وفلسطين. مع نقص الرغبة العالمية لاستثمار مئات المليارات لترميم سوريا، فلن يأتي استثمار الموارد الإيرانية في سوريا بثماره في المستقبل القريب.
يأمل الفلسطينيون أيضا، مثل الإيرانيين، أن يشغل ترامب منصبا لمدة سنتين فقط وليس ست سنوات. كما هي الحال مع العقوبات الإيرانية، يجدر الانتباه أيضا إلى أن قرارات ترامب مثل “صفقة القرن”، التي يعارضها الفلسطينيون قبل طرحها أصلا، لا تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. في حين يظهر نتنياهو إنجازات ملفتة مع دول الخليج التي يدور بينها خلافات – خلافات بين السعودية وقطر، تشهد المناطق القريبة من إسرائيل وضعا صعبا. لا يجري الحديث عن غزة التي قد يستعر الوضع فيها في أية لحظة فحسب، بل عن الضفة الغربية أيضا. يأتي هذا الوضع بعد مرور عامين جعل فيهما أبو مازن مصطلح “صفقة القرن” أشبه بلعنة، وهي اللعنة الثانية بعد وعد بلفور من حيث حجم الكارثة التاريخية التي لحقت بالفلسطينيين.
نشير إلى أن صفقة القرن، كان يفترض أن تستند إلى دعم الدول العربية، وأهمها السعودية، ولكن تورط ولي العهد في قضية خاشقجي يثير تساؤلات بشأن قدرته على تقديم هذا الدعم، لا سيما أن عليه العمل ضد رغبة الفلسطينيين، في الوقت الذي أصبحت فيه صورة السعودية في الحضيض، وذلك للمرة الأولى منذ أحداث ال11 من أيلول. كان يُفترض أن يحقق السعوديون أمرين: منح شرعية لصفقة القرن، ومنح المال. لا ينقص المال في السعودية، ولكن ما زال ابن سلمان يسعى إلى تثبيت حكمه، لهذا من الصعب أن نتوقع منه أن يعرّض منصبه للاختبار.
لقد حظيت إسرائيل باهتمام خاص من ترامب في العامين الماضيين من حكمه. ومن المتوقع أن تواصل الإدارة الأمريكية دعمها لإسرائيل في العامين القادمين أيضا، ولكن هذه الفترة ستتأثر بالخطوات الكبيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في مناطق من طهران وسوريا إلى غزة والقدس.