تشكّل الروايات المفزعة عن المطبخ العسكري جزءًا من الوجود الإسرائيلي. مع ذلك، فالجيش هو أحد أكبر المنظمات في إسرائيل، إذ إنه مؤتمَن على صحة وغذاء عشرات آلاف الجنود يوميًّا.
حتّى أكثر رقباء المطبخ تأهيلًا يستصعبون تطبيق قواعد الطبخ الأساسية في المطبخ العسكري، حيث القدور كبيرة جدًّا غالبًا، هناك القليل جدًّا من التوابل، وثمة خشية كبيرة من الزيارات المتكررة للرقابة الصحية.
رغم ذلك، ثمة ما هو جديد وثوريّ في مطبخ الجيش الإسرائيلي. فالأيّام التي كانت فيها الشواحن تأتي وتترك في الثكنات المختلفة في أرجاء البلاد تنوّعًا قليلًا من السلع الأساسية بكميات هائلة أصبحت من الماضي. فاليوم، يمكن لضابط المطبخ أن يختار سلّة المستهلَكات لجنوده وفق الموادّ التي نجحت في الثكنة، لا وفق ما تقرّر عشوائيًّا دون تمييز إن كان لذيذًا ومغذّيًا أو لا.
في الماضي، ظنّ المسؤولون أنهم يعرفون ما يجب أن يأكله الجندي، لذا يجب تحديد ذلك بدقة، إلى درجة عدد السعرات الحرارية وتقسيم أصناف الطعام الرئيسية. ولدى فحص النتيجة، تبيّن أنّ الجنود لم يأكلوا ولم يقوموا بمهامّهم كما يجب. أمّا اليوم، فالنظرة هي أنّ الجندي يأكل ما يحدّده قادته المباشرون. حتّى ممّا يصل إلى القاعدة العسكريّة، يمكنه أن يختار كيف يركّب وجباته بنفسه.
وكان مركز غذاء الجيش الإسرائيلي في تسريفين (قرب مدينة الرملة) قد تعامل منذ الخمسينات حتّى الآن مع مشكلتَين رئيسيّتَين، ذات صلة الواحدة بالأخرى: الأولى – ملاءمة الطعام لمذاق الجنود، والثاني – منع الهدر. عام 1955، تحدّثت صحيفة “بمحنيه” عن هدرٍ كهذا، ذاكرةً أنّ 30% من الطعام المزوَّد للوحدات المختلفة يُلقى في القمامة. ومن تقارير “بمحنيه” في نهاية العقد نفسه، يمكن الاستنتاج أنّ قسم التموين في الجيش قرّر القيام بتجربة، إذ أتاح لرقباء الوحدات المختلفة اختيار قائمة منتَجات من ضمن سّلة، وفقًا للموازنة المخصَّصة للوحدة. وكان الهدف معرفة ما يفضّله الجنود، ومنع الهدر في الطعام. ليس واضحًا ماذا كانت نتائج التجربة، لكنّ الأكيد أنّ الجيش الإسرائيلي بقي يزوّد الجنود بالطعام وفق لوائح طعام، ملائمة للوحدات المختلفة، وأنّ المبدأ صحيح الآن أيضًا. فحتّى اليوم يحظى جنود الوحدات القتاليّة، الذين يحتاجون إلى الكثير من الطاقة، بطعام من ضمن سلّة تحتوي على حاجيّات ذات قيمة غذائية مرتفعة بشكل خاصّ، فيما جنود الجبهة الداخلية يحصلون على طعامٍ من سلّة ذات حاجيّات تحتوي على أقلّ قيمة سعرات حراريّة.
تغيّرت موادّ السلة كثيرًا منذ نهاية الخمسينات. ففي الستينات، ظهرت بها الطحينة، الحلاوة، والتوابل الحارّة، التي دخلت مع الإعلان أنّ المطبخ الشرقي دخل إلى الجيش الإسرائيلي. في السبعينات، دخل الشنيتزل والسمك المغطَّى الجاهزان للأكل، وكذلك رقائق البطاطا المجمّدة، والأجبان البيضاء بمذاقات مختلفة.
في الثمانينات، دخل لحم الحبش، والحليب بطعم الشوكولا لوجبات الفطور. في بداية التسعينات، دخلت منتجات حمية غذائية ومنتجات صحيّة – منتجات حليب قليلة الدهون، نقانق نباتيّة، وأسماك. في الوقت الراهن، يمكن العثور في المطبخ العسكري على أعشاب تتبيل، خضار مجمّدة، وكورنفلكس بمذاقات مختلفة، وفي مركز الغذاء يُفحص إدخال منتَجات جديدة، مثل السلطات الباردة.
في السنوات الماضية، تحصل ثورة جديدة في مجال الطعام في الجيش الإسرائيلي: دخول شركات مدنيّة إلى الثكنات. كانت الاعتبارات التي حكمت ذلك اقتصادية وتنظيميّة بالأساس. الحساب بسيط: كلفة صيانة مطبخ عسكريّ تفوق أحيانًا كلفة مطبخ تديره شركة مدنيّة. أحيانًا لا يكون الاعتبار الاقتصادي هو الوحيد. فمثلًا في سلاح الارتباط، أتاح دخول شركة طعام إلى الثكنة تقصير مدّة الدورات المختلفة في الأسبوع، بفضل واقع تمكّن الضبّاط من انتهاز معظم وقتهم في تدريب المتدرّبين، لا الإشراف على المطبخ. بشكل غير مباشر، أدّى توفير الوقت إلى توفيرٍ للمال.
في الخمسينات، ساد الاعتقاد في الجيش الإسرائيلي أنّ الجندي الجيّد هو أيضًا طبّاخ جيّد. لكن خلال السنوات، تبيّن أنّ ذلك ليس صحيحًا بالضرورة. فقد وصل إلى دورات الطبخ في الجيش الإسرائيلي جنود كثيرون كانت هذه إمكانيتهم الوحيدة للخدمة. كانت روح التطوُّع والحماسة منخفضتَين. بدأت محاولات تغيير مكانة المهنة في الجيش الإسرائيلي في أواسط السبعينات، حين بدأ الطباخون الدائمون ينالون دورات استكمال في مدارس عالية للطبخ. خلال السنوات، جرت منافسات طبخ عديدة بين الوحدات المختلفة، وربّما كان الهدف خلق أخوّة مهنيّة.
الأمر صحيح بالنسبة للطباخين في الخدمة الدائمة، ولكن ليس للذين في الخدمة الإلزاميّة. فمساعٍ عديدة تُبذّل لجذب الجنود في الخدمة الإلزاميّة إلى المهنة، عبر دورات قبل الجيش، تُجرى بالمشاركة مع اتّحاد الطباخين ووزارة التجارة والصناعة. يتطلّب التوجّه إلى جمهور محتمَل قبل التجنّد تحسين صورة المطبخ العسكري. في السوق المدني، تحسّن وضع الطبّاخين في السنوات الأخيرة، ويؤثر ذلك أيضًا في الجيش.
فالنزعة إلى الطعام الصحي والعضوي تقوى جدًّا في السنوات الماضية في مطابخ الجيش الإسرائيلي، ويحرص قادة كثيرون على دمج منتجات ذات جودة عالية في طعام جنودهم، التخلّص من المعجّنات ذات الدهون، التي تسبّب سمنة زائدة لا سيّما بين جنود الجبهة الداخلية.
لا تتخطّى نزعة الصحة والمطبخ الجديد الطعام العسكري، الذي تقرّر أن يحطّم أسطورة “الطعام ذي الجودة المنخفضة”، الطعام الذي يُشكّ في أنه صالح للاستهلاك البشريّ.