يمكن أن تؤثر عمليتان سياسيتان تجريان بالتوازي في هذه الأيام تأثيرًا مصيريًّا في مُستقبل الحكومة الإسرائيلية: تفكّك “عهد الإخوة” بين يائير لبيد ونفتالي بينيت، ومن جهة تفكّك الشراكة بين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان. فيما التباعد بين لبيد وبينيت يُفرح نتنياهو، ويقوّي تحكّمه بجهات الائتلاف، فإنّ صعوبات توحيد حزبَي الليكود وإسرائيل بيتنا تُطير النوم من عينَيه.
الأخَوان يتنازعان
صعّب لبيد وبينيت حياة نتنياهو كثيرًا في السنة الماضية، إذ قطعا عهدًا ألزمه بإدخالهما إلى الحكومة بشروطهما. وهكذا نال لبيد حقيبة المالية، وبينيت حقيبة الاقتصاد الموسّعة ورئاسة لجنة المال في الكنيست.
لكن كلّما مرّ الوقت، تزداد الفجوات بين الرجلَين. فمواقف لبيد المدنية، بما فيها زيادة حقوق الشاذين جنسيًّا لا تنسجم مع الأيديولوجية الدينية لحزب بينيت. كما أنّ المواقف السياسية لبينيت، الذي يعارض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية، تختلف جذريًّا عن مواقف لبيد المعتدِلة. الأسبوع الماضي، قال لبيد إنه إن كدّس حزب بينيت صعوبات في وجه استمرار عملية المفاوضات، فإنّ على نتنياهو التخلّص منه في أسرع وقت ممكن.
يعرف بينيت ولبيد على السواء أنّ لدى نتنياهو قطع تبديل ناجحة لكلّ واحد منهما. فإذا فشل المسار السياسيّ، واضطرّ لبيد إلى الانسحاب، يستطيع نتنياهو إدخال الكتل الحاريدية إلى الائتلاف، والحُكم على رأس حكومة يمين – حاريديم، تشكيلة كان يفضّلها نتنياهو من البداية (هكذا آثر أن يفعل في حكومتَيه الأولى والثانية).
أمّا إذا حدث ما لا يُصدَّق، وانسحب البيت اليهودي من الحكومة بسبب تقدُّم المسار السياسي، فلا يُتوقَّع أن يواجه نتنياهو صعوبات كبيرة، لأنّ حزب العمل برئاسة يتسحاق هرتسوغ ينتظر فرصة كهذه للعودة إلى مقاعد الحكومة. في حالة كهذه، سيجد نتنياهو نفسه في وضع أقل راحةً بالنسبة له، لأنّ كل شركائه في ائتلاف كهذا – لبيد، هرتسوغ، وتسيبي ليفني – هم ذوو مواقف سياسية أكثر اعتدالًا منه.
الليكود ضدّ نتنياهو
أمّا الصداع الأكبر الذي يواجهه نتنياهو فسببه حزبه الخاصّ. فالاهتياج على نتنياهو داخل الليكود آخذٌ في الازدياد، وهو يتعامل مع الحزب على أنه ليس أكثر من وسيلة لربح الانتخابات – تمامًا مثل النموذج الأمريكي الذي يعزّه.
قُبَيل الانتخابات الأخيرة، أعلن نتنياهو ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، عن خوض الانتخابات معًا. وقدّر محلّلون أنّ هذه ستكون المرحلة الأولى في تحوّل ليبرمان إلى زعيم اليمين الإسرائيلي في حقبة ما بعد نتنياهو. من جهته، كان نتنياهو يطمح إلى تزعّم كتلة يمينية كبيرة ومستقلّة بعد الانتخابات.
لكنّ عناصر في حزب الليكود عبّرت عن خيبة شديدة من نتائج انتخابات 2013. فبعد أن وُعدوا بأكثر من أربعين مقعدًا، لم تحقّق القائمة المشتركة مع حزب ليبرمان أكثر من واحد وثلاثين – أقلّ بأحد عشر ممّا حققه الحزبان، كلٌّ على حِدة، في انتخابات 2009. وحُكم على مساعي الرجلَين لتوحيد الحزبَين كاملًا بالفشل.
هذا الأسبوع، تجنّب نتنياهو إحراجًا، حين نجح في اللحظة الأخيرة في إحباط تصويت في مركز الليكود على الانفصال النهائي عن حزب ليبرمان. وكان الاقتراح يهدف إلى منع نتنياهو من التوحّد الكامل مع إسرائيل بيتنا، ولمنع الترشّح في لائحة واحدة في الانتخابات القادمة.
فقط حين توضّح لنتنياهو أنّ الاقتراح قد رُفع عن الطاولة، وصل إلى المؤتمر الحزبي وألقى خطابًا مستعمَلًا من مخزونه الاعتياديّ: الصراع ضدّ النووي الإيراني، إحباط ظاهرة التسلُّل من إفريقيا، تطوير الاقتصاد، وضمان طرح كلّ اتّفاق مع الفلسطينيين على استفتاء شعبي. لا مفرّ من أن يستمرّ الليكود في وضع حواجز في طريق رئيس الحكومة في وقت لاحق.
ليبرمان – أكثر اعتدالًا أم أكثر تطرُّفًا؟
أمّا أفيغدور ليبرمان، الذي أُحبطت محاولاته للاندماج في قيادة الحِزب الحاكم حتّى الآن، فسيحاول تحصين قوّته السياسية عبر وزارة الخارجية، التي عاد إليها مع تبرئته من قبل المحكمة. ثمّة من قدَّر أنّ وزير الخارجية، الذي زار واشنطن مرتَين فقط في ولايته السابقة بسبب مقاطعة الإدارة الأمريكية له، قد استخلص العِبر المطلوبة، وسيحاول أن يبدو مستقبلًا سياسيًّا براغماتيًّا. ففي خطابه الأوّل بعد عودته إلى الوزارة، بثّ ليبرمان رسالة مهدّئة حول الحاجة إلى ترميم علاقات إسرائيل والولايات المتحدة.
لكن بعد ذلك فورًا، عاد ليبرمان إلى التصريحات بأسلوبه القتالي الاعتياديّ والمعروف. فقد صرّح أمام ضيوف منتدى سابان أنه لا أملَ بتقديره بالتوصّل إلى اتّفاق مع الفلسطينيين، على النقيض تمامًا من جهود الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن.
كما أظهر ليبرمان موقفًا متصلّبًا في قضية “هوريزون 2020″، التي هدّدت بسلب إسرائيل ملايين الدولارات الأوروبية من الميزانية العلمية بسبب دعمها الاستيطان، إذ قال لنتنياهو عن الاتحاد الأوروبي: “يجب تفجير الاتّفاق، لن يفهموا إلّا بهذه الطريقة”. لا يمكن معرفة أيّ نوع من ليبرمان سنرى في الأشهر القادمة – السياسي المعتدِل، أم الصقر المحارِب.
اللجنة المصابة بالشلل
النتيجة الأخرى لتبرئة ليبرمان هي شغور منصب رئيس اللجنة الأهمّ في الكنيست، لجنة الخارجية والأمن، التي ترأسها ليبرمان حتّى عودته إلى وزارة الخارجية. فقد فتح لبيد، الذي لديه خلافات مع بينيت، جبهة جديدة مع نتنياهو في هذا الشأن أيضًا. يريد رئيس الحكومة أن يعيّن في هذا المنصب المقرَّب منه تساحي هنغبي، فيما يطمح لبيد لتعيين صديقه عوفر شيلح. في الوقت الحالي، أصيبت اللجنة بالشلل إذ بقيت دون رئيس، ولم تجتمع منذ إعادة توزير ليبرمان.
بالنسبة لنتنياهو، تميل مواقف شيلح إلى اليسار، وهو غير مستعدّ مطلقًا لتعيينه في المنصب. وجاء في صحيفة “هآرتس” هذا الأسبوع أنّ المقرَّبين من نتنياهو جمعوا معلومات “تجريمية” عن شيلح، بهدف إظهاره غيرَ مناسب لهذا المنصب البارز. وفق التقارير، اقترح نتنياهو على لبيد تعيين شيلح في المنصب بعد عامَين. لكنّ لبيد، الذي يقدّر أنّ الائتلاف سينحلّ خلال العامَين المقبلَين، رفض العرض.
في هذه الأثناء، بادر رئيس الكنيست يولي إدلشتاين إلى تعديل للأنظمة، يمكنه بموجبه تعيين رئيس وقتي للّجنة، ما دام لم يُنتخب رئيس ثابت لها. ويعني الأمر أنّ اللجنة ستعود إلى الاجتماع، وسيدير الاجتماع عضو مختلف كلّ مرة.
هاجم النائب موشيه جفني من كتلة يهدوت هتوراه، الذي يواظب على مهاجمة الحكومة في كلّ فرصة مؤاتية، قرار إدلشتاين قائلًا: “إنه أحد الأيام الحزينة والمُذلّة للكنيست”. على أية حال، يبدو أنّ النزاع المزدوج للبيد مع بينيت ومع نتنياهو، الذي يتجلى في المعركة على رئاسة اللجنة، يفرض عبئا ثقيلًا على مستقبل ائتلاف نتنياهو في تشكيلته الحاليّة.