إحدى المناطق التي نجحت فيها القاعدة وشركائها في البقاء فيها بل والتغلّب على خصومها أحيانًا هي اليمن. نجاحها النسبي في اليمن ليس فيه ما يفاجئ، ففي هذه الدولة تتوفر الظروف الأساسية المطلوبة لقيام القاعدة: تضاريس جبلية في معظم البلاد، مما يصعّب عملية السيطرة، وحكومة فاشلة لا تستطيع توحيد جميع القبائل والطوائف في دولة متّحدة، وبالتالي أيضًا يجد صعوبة في تجنيد القوات العسكرية المطلوبة من أجل التغلب على الإسلاميين. في هذه الظروف، هاجمت الحركة التي تسمى “أنصار الشريعة”، وهي حركة تتعاون مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الأسبوع الماضي قاعدة عسكرية يمنية في منطقة أبين. فشلت المحاولة، ولكنها تثير تساؤلات حول نجاح أو فشل القاعدة في اليمن.
يعتبر اليمن أحد أفقر البلدان في العالم، وأبين هي إحدى أفقر المحافظات فيه. تحولّت هذه المحافظة في السنوات الماضية إلى ساحة صراع بين القاعدة وحكومة اليمن. في بداية عام 2011، سيطرت أنصار الشريعة على المنطقة، وفي وقت لاحق في آذار 2011 أعلنت أنها إمارة تحت السيطرة. دفع هذا الإنجاز للحركة والتهديد الذي تضمّنه على سيادة اليمن، الحكومة إلى التشمير عن سواعدها وتنظيم صراع عسكري واسع من أجل صدّ القوات الإسلامية.
تصرفت السلطة في اليمن بحكمة. بدلا من أن تواجه أعداءها بنفسها، قامت بتجنيد أبناء القبائل المجاورة لهذا الغرض. حتى رئيس اليمن كان مشاركًا في العملية. فقد التقى برؤساء القبائل في المنطقة وشجّعهم على الانضمام إلى الجيش والقتال سوية ضدّ القوات الإسلامية. نجحت الحكومة في تجنيد أكثر من 6000 مقاتل مأجور، حيث وصلت أجرة المقاتل ربما إلى 150 دولارًا شهريّا. هكذا نشأت في عام 2011، قوة تُدعى “لجان الدفاع الشعبي”، والتي وظيفتها دعم الجيش في الحرب ضدّ الإسلاميين المتطرّفين المرتبطين بالقاعدة. وتشبه هذه الخطوة لحكومة اليمن بشكل كبير خطوة قام بها الأمريكيون في العراق نحو عام 2006، حين توجّهوا إلى القبائل في منطقة الأنبار وبدأوا بالتعاون معهم. وكانت النتيجة ضربة قاسية (وإنْ لم تكن مميتة) لقوات الإسلاميين في العراق.
إحدى الشخصيات المركزية التي عملت في لجان الدفاع الشعبي في اليمن هو عبد اللطيف السيّد، الذي كان في السابق منضمّا للقاعدة، ولكن حين علم أنّ أخاه قُتل على يد قوات القاعدة غيّر وجهته. ويبدو أنّ السيّد يعرف بشكل جيّد الإسلاميين في المنطقة، وتساهم المعلومات التي في يده مساهمة مهمّة جدًّا للّجان والجيش، ولكن نتيجة لذلك أصبح هو نفسه هدفًا لمحاولة الاغتيال من قبل تنظيم القاعدة. في إحدى تلك المحاولات قُتل سائقه، ولكنه نجا. يمكننا أن نستوضح الصعوبة التي تواجهها الحركات الإسلامية المتطرفة في مسعاها لتجنيد الجماهير في صفّها، من خلال تجنيد القبائل ضد القاعدة وشركائها في شبه الجزيرة العربية، وخصوصًا بانتقال السيّد من الحركة الإسلامية المتطرفة إلى اللجان الشعبية. مرّة تلوَ الأخرى، سواء في العراق، أو في اليمن أو في سوريا، تجد الحركات الإسلامية المتطرفة نفسها أمام نفس المشكلة: الشعب لا يريد القاعدة.
بعد أن نظّم الجيش اللّجان افتتح عملية عسكرية واسعة ضدّ أنصار الشريعة، بهدف طرد الإسلاميين من منطقة أبين. وبعد عدّة أسابيع من القتال، والتي راح ضحيّتها مئات القتلى، نجح الجيش واللّجان في احتلال عاصمة المحافظة، زنجبار. وخلال حزيران عام 2012، سحق الجيش واللّجان الإسلاميين من المنطقة. تراجع مقاتلو أنصار الشريعة إلى الجبال والمناطق التي يجد الجيش اليمني صعوبة في السيطرة عليها، ومن هناك يعودون ويهاجمون.
ولكنّ الجيش اليمني أيضًا لديه الصعوبات الخاصة به. فقد ظهرت مؤخرًا تصدّعات وتوتّرات بين لجان الدفاع الشعبي وبين الجيش على خلفية تأخر الجيش في نقل السلاح والرواتب لرجال اللّجان. ويعتقد كثيرون، أنه فيما لو انسحب رجال اللّجان، كما يهدّدون بالفعل إنْ لم يتم دعمهم والدفع لهم، فستدخل القوات الإسلامية بسهولة إلى المنطقة وستزول إنجازات الجيش اليمني كما لو أنّها لم تكن.
وبالتالي ففي حالة الصراع بين حكومة اليمن وبين الإسلاميين سينتصر من ينجح في التغلّب على المشاكل الداخلية له: الإسلاميون على تطرّفهم، الذي يُنشئ عداءً بين سكّان اليمن، وحكومة اليمن على الفساد المستشري في أجهزتها، والتي تنشئ الاغتراب والإحباط بين المواطنين.
نشر المقال على موقع Can Think، والمختص في شؤون الشرق الأوسط.