في الشهر الماضي فرضت الطبقات الاجتماعية المهملة والفقيرة في الهامش البريطاني على المركز اللندني الكوسموبوليتي والمرتوي مغادرة الاتحاد الأوروبي، والتجمع داخليا إلى داخل الوطن القومي. وذلك بهدف حماية بريطانيا من موجات الهجرة الأجنبية التي تهدد بدفع الطبقات الفقيرة نحو هامش النظام الاقتصادي والاجتماعي بشكل أكبر.
قبل خمس سنوات من ذلك انتفض عشرات المضطهدين في الدول العربيّة على الحكم المركزي الفاسد في القاهرة، تونس، دمشق، طرابلس، صنعاء، وبغداد وطالبوا بكسب الرزق، الحرية، والعدالة الاجتماعية.
تشير نظرة إلى مجريات الأحداث في أوروبا والشرق الأوسط إلى موجات معاكسة من التفكيك والتجميع. تظهر في أوروبا بوادر أولى لتفكك البيت القومي الأعلى المشترك، والذي يجد صعوبة في أداء المهمة السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي قام من أجلها، والاجتماع داخل الأوطان القومية بهدف حمايتها من التغييرات الديمغرافية وفقدان الهوية.
في المقابل، في الشرق الأوسط تظهر بوادر تفكك بعض الدول القومية العربية، والتي لم تؤدِ دورها في عقدها الاجتماعي مع مواطنيها، لصالح وطن مشترك. في حين أن داعش تسعى إلى أن يرتكز هذا الوطن على الإسلام، يسعى ناشطون شباب آخرون إلى تأسيسه ليرتكز على دولة مدنية تضمن مساواة الحقوق للجميع.
ورغم أن النيوليبرالية قد عُرضت كسياسة تهدف، بشكل ثانوي على الأقل، إلى الرخاء الاقتصادي للجميع، فإنّ مصير المواطن البسيط، سواء في الغرب أو في الشرق الأوسط، بات تحت رحمة أصحاب رؤوس الأموال. لقد حرصوا على مصالحهم الاقتصادية ومصالح نخب أخرى، ولذلك نمت فجوات في الدخل في كل البلدان كانت ذات معدّل ينذر بالخطر.
يصف باحثون وباحثات مسلمون وعرب في أبحاثهم التغيير الذي طرأ في أوساط الشباب في الشرق الأوسط، والذين سئموا من الأيديولوجيات القومية والدينية ويطالبون بقومية عربية مؤسسة على الثقافة المشتركة وقيم التسامُح، الاحترام المتبادَل، الحرية، العدالة الاجتماعيّة، وحقوق الإنسان. وقد ادعى طارق رمضان، حفيد حسن البنا (مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر) ومحاضر دراسات الإسلام في جامعة أوكسفورد، باستمرار أنّ ليس هناك تناقض بين الإسلام وبين الديمقراطية والتعددية، وأنّ الدين الإسلامي يمكن ويجب أن يكون إطارا يشكّل هوية تربي على الليبرالية والتعددية وليس على العنف والطائفية.
تصف الدراسات شبانا عربا يذكرون أن الدولة تنتمي لمواطنيها، وعليها أن تضمن لهم عيشا كريما ومساواة في الحصول على الموارد. يتحرك هؤلاء الشبان بشكل طبيعي بين نسيج من الهويات: العربية، الدينية، العائلية، الحديثة والغربية. بالنسبة لهم فالإسلام هو تقاليد وتراث ولكنه أيضًا بوصلة قيمية وأخلاقية للمجتمع العادل والمنصف. إنهم يرفضون محاولات الحكام العرب لإنشاء مظهر لمجتمع متقدم، علماني، وحديث معرّض لتهديد الإسلام السياسي، بل ويتزايد لديهم الشعور بالاغتراب عن هذه الأنظمة نتيجة لذلك. إنهم لا يرغبون في الوحدة ضدّ الإمبريالية، بل يرغبون في الوحدة ضدّ غياب العدالة في الوطن. يفر الكثير منهم إلى الغرب بسبب تهديد قمع هذه الأنظمة من جهة، والدولة الإسلامية من جهة أخرى، حيث يسعون هناك إلى تحقيق أحلامهم.
في حين أن الجيل الأوروبي الأكبر سنّا قلق من أن تأتي هذه الأحلام على حسابه، وبشكل مماثل للجيل الأكبر سنّا في الشرق الأوسط، والذي يحفزه الانغلاق والانفصالية القومية، الثقافية والدينية، فإنّ الشباب البريطانيين سكان المدن تحديدا (في سن 18-34)، الذين يواجهون أيضا آثار النيوليبرالية، قد فضّلوا الحدود المفتوحة. وعلى غرار أبناء جيلهم في الدول العربيّة فهم يفضّلون التضامن الثقافي المتجاوز للقومية والتعددية الاجتماعية. في الواقع، فهم وشباب كثيرون في الشرق الأوسط يتشاركون بينهم الأحلام واللغة المشتركة، ويمكّنهم الحيّز الافتراضي من إنزال الأسوار المادية وأسوار الوعي والحدّ من الشك والخوف المتبادل.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي