رغم نجاح لبنان حتى الآن في تجنّب الانهيار الاقتصادي والأمني الشامل منذ اندلاع الأزمة في سوريا، فلا زال يعيش وسط الخطر. نشر معهد كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط مؤخرًا دراسة تُبيّن أنّ هذا الخطر ما زال قائمًا بسبب أربعة تحدّيات رئيسية: السياسات الخاطئة، اقتصاد تحت الضغوطات، عدم وجود استراتيجية للتعامل مع اللاجئين السوريين وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية.
السياسة
السبب الأول للخطر الذي يحيط بلبنان هو السياسات الخاطئة للحكومة، والمتأثرة بالمصالح السياسية، وتتجاهل المشاكل الاقتصادية ولا تلبّي احتياجات السكان. يعتقد أيمن هنا، وهو باحث من بيروت، أنّ الطريقة التي تتعامل بها الدولة مع آثار الحرب السورية ترمز إلى فشل حكومة لبنان في التخطيط لمستقبلها: القرارات السياسية التي من المفترض أنها تؤثر على حياة اللبنانيين على مدى عقود طويلة يتم اتخاذها بسرعة، سواء من أجل تحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير، أو استجابة لتطوّرات دراماتيكية.
“رغم نجاح السياسة اللبنانية حتى الآن في تجنّب الانهيار التامّ للجانب الأمني والاقتصادي في لبنان، فإنّ الطرق التي تدير فيها البلاد لا يمكن أن تستمرّ”، كما يوضّح هنا. حسب كلامه، يتجاهل زعماء لبنان القضايا الرئيسية التي تعاني منها البلاد، مثل العجز في الموازنة العامة للدولة والتحدّيات الكامنة في وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان.
الاقتصاد
يعيش الاقتصاد اللبناني تحت تهديد كبير، حيث إنّ هذا العام هو الثالث على التوالي الذي تُسجّل فيه الديون العامة للبلاد ارتفاعًا وهي أعلى بكثير من وتيرة النموّ الاقتصادي. على سبيل المثال، عام 2013، ارتفع الدين بنحو عشرة بالمائة بينما حدث نموّ اقتصادي بنسبة 1.5% فقط. وحسب كلام الخبير اللبناني سامي نادر فهناك حاجة إلى تغيير كبير في إدارة الحكومة لمواجهة عجز الموازنة ومعدّلات النموّ الاقتصادي المنخفضة.
الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية هي تدهور الوضع الأمني نتيجة الأزمة السورية، الشلل السياسي الذي تعيشه البلاد وعدم تطبيق الإصلاحات. لا يمكن للاقتصاد والبنية التحتية الضعيفة في لبنان أن تواجه العبء الذي يفرضه السوريون في البلاد، والذين يُقدّر عددهم بنحو مليون ومائة ألف إنسان؛ أي نحو ربع أو ثلث السكان في لبنان. وفيما وراء تأثير اللاجئين على الاقتصاد اللبناني، يهدّد اللاجئون النسيج الاجتماعي الحسّاس في البلاد.
اللاجئون
وبشكل مماثل للخبيرين السابقين، يعتقد الباحث كريم شاهين أنّ اللاجئين السوريين يشكّلون الآن جانبًا مهمّا من جوانب الأزمة في لبنان. نتيجة للهجرة الكبيرة من سوريا، حيث تدور هناك حرب أهلية حقيقية، تزايد في لبنان التنافس على أماكن العمل المحدودة وزاد بذلك الفقر في أوساط اللبنانيين.
وقد أدّت أيضًا الزيادة الكبيرة في عدد سكان لبنان إلى استخدام شبكة الكهرباء استخدامًا يثير الضغط. الأسوأ من ذلك، أنّ 85% من اللاجئين السوريين هم جزء من الطبقة الأكثر فقرًا في لبنان. إنهم مزدحمون في مخيّمات صغيرة ويعانون من فقر كبير. وقد تذكّرت الحكومة اللبنانية في وقت متأخر جدًا أن تزيد الأمن في حدودها وأن تزيل مكانة اللجوء عن السوريين الذين يعودون إلى بلدهم بهدف الزيارة.
داعش
الضلع الأخير في مربّع الأزمة اللبنانية يكمن أيضًا في الأزمة السورية: تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ترى الباحثة مها يحيى أنّ سلوك داعش قد زاد المخاوف الوجودية لدى الكثير من اللبنانيين، وخصوصًا المسيحيّون منهم. إنّهم يخشون أنّ يحصل التنظيم على موطئ قدم في لبنان، بعد أن نجح مؤخرًا في السيطرة على مناطق قرب الحدود اللبنانية السورية. نتيجة لذلك، وفقًا لموقع العرب، قرّرت بعض البلدات اتخاذ خطوات أمنية منذ الآن.
أدّى فرار اللاجئين من سوريا إلى الأراضي اللبنانية في أعقاب سيطرة داعش على مناطقهم قرب الحدود إلى غضب كبير في أوساط اللبنانيين الذين يخشون من مصير مماثل ينتظرهم. نتيجة لذلك، تزايدت الدعوات في لبنان ضدّ أولئك اللاجئين السوريين ويتم عرضهم في بعض الأحيان باعتبارهم أعداء للبنان. يعود القلق إلى أن يؤدّي استمرار هذه الإدانات إلى انضمام هؤلاء اللاجئين لتلك التنظيمات الإرهابية.
نُشِرَت هذه المقالة أوّلا في موقع ميدل نيوز