كانت العناوين الرئيسية التي صدرت أمس الأربعاء عقب اللقاء الذي جمع يحيى السنوار بمؤسسات المجتمع المدني، دراماتيكية على نحو كبير: حماس لن تعود إلى حكم غزة أو إدارتها، ولن تكون طرفاً في الانقسام بعد الآن.
وقد أكد السنوار للحاضرين أن قرار حماس بهذا الشأن استراتيجي ولا عودة عنه، وأنها ستنسحب من المشهد نهائيا.
هذه الأمور التي صرح بها قائد حماس في غزة هامة جدا، إلا أنها حظيت باهتمام قليل نسبيا، بشكل غير عادل.
يعكس الوضع نتائج عملية طويلة كان السنوار خلالها ممزقا بين قطبين: موقف زعيم المنظمة وسلفه، إسماعيل هنية، وموقف زميله في القيادة، صلاح العاروري.
من ناحية هنية، تشكل سيطرة حماس على غزة مشروع حياته. من الجدير بالذكر، أن غزة تشكل معقل الإخوان المسلمين الأخير في المنطقة. فوفق منظوره، يُحظر على حماس أن تتخلى عن غزة بأي شكل من الأشكال، بعد التضحية الكبيرة للحفاظ عليها التي دامت أكثر من عشر سنوات، بما في ذلك الأضرار الهائلة التي خلفتها الحرب مع إسرائيل في عام 2014، وهي حرب لم تستطع غزة أن تتعافى منها بعد.
ومن جهة أخرى، هناك العاروري وآخرون الذين يعتقدون أن إدارة الحياة اليومية في غزة من جهة حماس تشكل عبئا يلحق ضررا بمكانة الحركة ويحرمها من الموارد. من المهم التوضيح، أن ميزانية إدارة غزة لا تشكل جزءا من ميزانية حماس التي تحافظ على فصل شبه تام بين الميزانيتين، بل من الضرائب التي يدفعها المواطنون والمساعدة التي تقدمها السلطة الفلسطينية التي قررت قطعها مؤخرا.
“علينا أن نركّز على بناء الجناح العسكري والاستعداد لليوم ما بعد أبو مازن”، يهمس الطرف الآخر للسنوار، ويؤكد على أهمية الاندماج في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
توقيت التصريحات الاستراتيجية للسنوار هام. رغم أن فصل الشتاء في غزة كان جافا جدا، ولكن عند بدء هطول الأمطار، وغمر الشوارع بمياهها، أو انتشار مرض وبائي لا سمح الله، وعندما لم تعد خدمات الصحة في غزة قادرة على تقديم خدماتها، يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة. فضلًا عن ذلك، إن التوتر مع إسرائيل آخذ بالازدياد بسبب الصواريخ التي تطلقها تنظيمات سلفية صغيرة ومنظمات صغيرة مرتبطة بفتح، وإسرائيل تقرر توجيه صواريخها إلى أهداف حماس ملحقة الضرر الهائل بها.
في الحقيقة أوضح السنوار أمس في كلمته أن تخلي حماس عن سيطرتها على غزة لا يعتمد على نجاح عملية المصالحة مع أبو مازن أو فشلها، أي أنه سيكون خطوة أحادية الجانب. السؤال هو ما الذي سيقوم به الجانب الآخر