أصدرت فلسطين الرسمية، مكتب محمود عباس، التصريح المفترض: “سنعمل مع كل رئيس اختاره الشعب الأمريكي، في إطار مبدأ تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط المستند إلى حل الدولتَين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 مع القدس الشرقية كعاصمتها”. لا نتوقع مفاجآت من دونالد ترامب في المكان الذي تخلى فيه باراك أوباما تماما – أي أن يضغط على إسرائيل ويوقف بناء المستوطنات – حتى لو لم يصرّح كمستشاره أنّ المستوطنات قانونية. هناك افتراض أو أمل أنّ لدى دخول ترامب إلى البيت الأبيض، لا يمكن أن يتجاوز كثيرا قواعد العمل وأسس السياسة الخارجية المتبعة منذ عشرات السنين، لأنّ في النهاية الولايات المتحدة هي دولة ذات مؤسسات وقوانين، وليست دولة رجل واحد.
إحدى تلك الأسس هي تعزيز الاحتلال الإسرائيلي، من خلال صفقة تتضمن الحفاظ على وجود الحكم الذاتي الفلسطيني. ويتمثّل ذلك بأموال التبرعات من قبل الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية [(وخصوصا للأجهزة الأمنية وبناء الطرق التي تسهّل المواصلات بين الجيوب في المنطقة “أ” (والأونروا، والولايات المتحدة هي المتبرع الرئيسي في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين)]. وهكذا، عندما يتحدث الفلسطينيون الرسميون عن حل الدولتَين الذي يبدو بعيدا أكثر من أي وقت مضى، فهم يقصدون في الواقع في البداية الحل على الأمد القريب: إنهم لا يريدون أن تنهار العدالة السياسية – كما يفترض – والتي اعتمدوها لأنفسهم وينسبها لهم السلك الدبلوماسي. ولا يريدون أن تنهار شبه السيادة التي حققوها في جيوب المنطقة “أ” الصغيرة – والتي اعتاد عليها الشعب الفلسطيني أكثر مما هو مستعد أن يعترف.
هل سيقرر ترامب، بتصريحاته المتعرجة وبسبب جهله في المجال السياسي، من خلال التعاون مع مجلس الشيوخ ومجلس النواب تحت سيطرة الجمهوريين، تقليص التبرعات للسلطة الفلسطينية أو حتى إيقافها؟ هل سيتعامل، من خلال بلطجيته المنتصرة، مع القيادة الفلسطينية كتنظيم إرهابي معادٍ، أم سيكون هناك من يشرح له أنّ السلطة الفلسطينية تعمل تحديدًا لصالح إسرائيل وسياسة حزبه؟ من جهة أخرى، كيف سيؤثّر عدم الوضوح بخصوص السياسة الخارجية لدى ترامب في الدبلوماسية الفلسطينية، والعلاقات داخل فتح؟ هل يمكن أن يتوقّع ترامب أساسا تغييرات ما أم لا، طالما أن عباس يقف في أعلى الهرم؟.
على المستوى الشعبي الفلسطيني لا حاجة لغطاء دبلوماسي يخفي المشاعر الحقيقية تجاه ترامب. لقد عززت فعلا الانتخابات المجنونة في الولايات المتحدة، والتي تنافس فيها مرشّحان يتميزان بالعدد الكبير من الأمريكيين الذي يكرههما، شعارا فلسطينيا شعبيا شائعا: ها هو الجيل آخذ بالتناقص في الولايات المتحدة، تفقد كل قوة عظمى عظمتها، وهكذا الولايات المتحدة أيضًا. ومع ضعفها – ستضعف إسرائيل أيضًا. بعد الصدمة الأولية، تم تفسير انتخاب مالك مسابقات الجمال الكاره للنساء، كاستمرار لعملية التدهور.
هذا تحليل منطقي ولكنه ليس سياسيا، لأنّه يأتي في العادة كذريعة للجلوس دون اتخاذ أية خطوة حتى تؤدي السنين وعجلة الاضطرابات التاريخية دورها. يتنبأ نوع من الصيغة العلمانية لعادة اقتباس آيات من القرآن بمعاقبة بني إسرائيل لأنّهم أخطأوا ولم يقوموا بالصواب في نظر الإله.
يُفسّر انتصار ترامب، بشكل مؤكد على المدى المتوسط، كحقنة تعزيز لسياسة إسرائيل في الأراضي. ربما يعزز من شعور اليُتم الفلسطيني، ولكن كما يبدو ليس على المستوى الدراماتيكي. إنه لن يغير ولن يوقف التوجهين المعاكسين اللذين يميّزان سلوك الشعب الفلسطيني اليوم: من جهة، الانتفاضة المخصخَصة، عمليات الانتحار بواسطة الشباب، الذين تختلط لديهم الدوافع السياسية والشخصية. ومن جهة أخرى، الهروب من السياسة، وخيار التمرد الشعبي الشامل، بهدف عيش حياة شبه عادية في الجيوب، حياة ثقافية، تحقيق الطموح للتعليم الأفضل للأولاد، تحسين الأجور المتدنّية، والتغلب على المشاكل في الجهاز الصحي الفاشل وغيرها – كما لو أنه لا يمارس احتلال إسرائيلي.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”