في سابقة أولى، اعتقلت السلطة الفلسطينية نشطاء حركة مقاطعة إسرائيل.
اعتقلت الشرطة الفلسطينية أربعة نشطاء وهم زيد شعيبي، عبد الجواد حمايل، فادي كوران وفجر حرب، قبل أسبوعين في رام الله بتهمة انتهاك النظام العامّ. تزعم الشرطة، أن الأربعة قد أعدّوا مظاهرة غير قانونية وصاحوا صيحات استنكار لعرض فرقة رقص هندية، بدعوى أن الفرقة تعرض عروضها أيضًا في تل أبيب. لقد اعترض المعتقلون على التطبيع” مع إسرائيل، وأغضبوا رجال السلطة الفلسطينية الذين اهتموا بإحضار الراقصين إلى رام الله. “تجعل منظمة المقاطعة الفلسطينيين يبدون وكأن هدفهم هو مقاطعة ونقض شرعية إسرائيل”، قال مسؤول رفيع في السلطة للصحفي خالد أبو طعمة. “هذه حركة تتعارض مع المصلحة الفلسطينية في السعي نحو اتفاق سلام مع إسرائيل المؤسس على حل الدولتين”.
جعلت الكراهية المتقدة لإسرائيل زعماء المقاطعة يغيّرون رأيهم، وقد ذموا أبا مازن على الاتصالات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل
وسيُقدّم الأربعة للمحاكمة في الرابع عشر من تموز فقط، لكن منظومة الحملة اللاسامية لمنظمة حقوق الإنسان، “أمنستي إنترناشيونال”، قد بدأت العمل جاهدةً. وبدأت “تضغط منظمة العفو الدولية على السلطة الفلسطينية من أجل إلغاء التهم المنسوبة إلى نشطاء المقاطعة المعتقلين”، ذلك ما كُتب في بيان أصدرته المنظمة، “نعتقد أن أربعة المعترضين لا يحظَون بمحاكمة عادلة ومعاقبتهم تنبع فقط من دوافع سياسية”.
مقاطعة السلطة الفلسطينية أيضًا
لقد اتخذت الأحداث منحى ساخرًا حين دعا مؤسس منظمة المقاطعة، عمر البرغوثي، بعد اعتقاله إلى ضم الهيئة التي تمثل الشعب الفلسطيني إلى قائمة الجهات المقاطَعة. “إن مثُلَ المعتقلون الأربعة للمحاكمة”، حذّر البرغوثي، “علينا أن نلاحق السلطة الفلسطينية بأنها تساعد على الاحتلال الإسرائيلي”. لا يكتفي البرغوثي، الذي حاز على لقبه الأول في مؤسسة أكاديمية تقبع على خرائب قرية الشيخ مونّس (جامعة تل أبيب)، بوَصمِ رجال السلطة بالخونة المبغَضين، بل يكيل الثّناء، على نحو غير مباشر، على حملة التوضيح الإسرائيلية. “قرار السلطة بملاحقة نشطاء المقاطعة الأربعة هو وليدُ الحملة الضارية لإسرائيل ضدّ المنظمة”.
بالمناسبة، جعلت الكراهية المتقدة لإسرائيل زعماء المقاطعة يغيّرون رأيهم، وقد ذموا أبا مازن على الاتصالات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل. لا يحبذ رئيس السلطة فيما يبدو، والذي يهدد بالتوجه إلى الأمم المتحدة بهدف فرض عقوبات على إسرائيل، محاولةَ ضمه إلى مجموعة المقاطَعين، وفي كانون الأول الأخير انتقد انتقادًا لاذعًا منظمات المقاطعة وحتى صرح أنه “لا يدعم مقاطعة إسرائيل“.
وضعت منظمات المقاطعة في السنوات العشر الأخيرة، منذ تأسيسها، لها هدفًا لجعل إسرائيل دولة محتقرة ومنبوذة من بين الأمم. ونجحت الصورة المعسولة للمنظمة كمحاربين للحرية والتحرر، والمعنيين فقط بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في حدود 67، في تسميم معروفين كثيرين في العالم، مثل عازف فرقة بينك فلويد السابق روجر ووترس والفيزيائي ستيفن هوكينج. في إسرائيل يقع الكثيرون في الفخ، وقد حذّر صحفي يديعوت أحرونوت، نحوم برنياع، قبل سنة أن المفاوضات العالقة مع الفلسطينيين “ستثمر في مقاطعة إسرائيل”، وطالب زعيم ميرتس ووزير التربية سابقًا يوسي سريد، بدعم المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات.
الفلسطينيون هم المتضررون الأوائل
لا تتعامل منظمة المقاطعة مع قضية “إطلاق الأسرى الفلسطينيين”، بل مع محو إسرائيل، حتى وإن كان ثمن ذلك الإضرار بالفلسطينيين. ويوضح رؤساء منظمات المقاطعة علنًّا أن المنظمة تهدف إلى “وضع حد للدولة اليهودية وتشجيع نصر فلسطين”، وتحقيق حق العودة إلى دولة إسرائيل. إذًا يبدو، أن مصلحة الفلسطينيين ليست نُصب أعينهم.
وفي كانون الأول الأخير انتقد انتقادًا لاذعًا منظمات المقاطعة وحتى صرح أنه “لا يدعم مقاطعة إسرائيل”
ويعرف الفلسطينيون جيدًا ما هو حجم الإضرار بهم المحتمل، إذا تحققت مطامع المقاطِعين. حسب المعطيات، يعمل في المصانع الإسرائيلية في الضفة الغربية- 14 منطقة صناعية وزراعية تشمل 788 مصنعًا ومصلحة- حوالي 11,000 عامل فلسطيني، إلى جانب 6,000 عامل يهودي. عدا عن ذلك، حسب دائرة الإحصاء الفلسطينية، فإن العاملين في المناطق الصناعية في الضفة الغربية يتقاضَوْن أجورًا مضاعفة أو حتى ثلاثة أضعاف من أجور الفلسطينيين المتوسطة، ويحظون بظروف اجتماعية كاملة حسب القانون الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، يفضّل رجال الأعمال الفلسطينيين الاقتصاد الإسرائيلي الثابت والحر نسبيًّا، على الأساليب الفاسدة للسلطة الفلسطينية. وحسب البحث الذي أجري في جامعة القدس، فإن حجم الاستثمارات الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي أعلى بضعفين وأكثر منها في الجانب الفلسطيني، ويختار 16,000 من رجال الأعمال الفلسطينيين الذين بحوزتهم تصريح دخول لإسرائيل، استثمار أموالهم فيها.
إذًا، سيضر النضال لمقاطعة إسرائيل إضرارًا بالغًا بالاقتصاد الفلسطيني المتعلق بالدولة اليهودية الجارة. وسيحوّل الإسرائيليون فقط مكان المصنع، لكن الفلسطينيين سيبقون دون شيء.
لقد تنبّه الإسرائيليون لذلك منذ زمن، والآن، وأفاق الفلسطينيون أخيرًا على الواقع.
نشرت المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا.