نحو 201 ألف سيّارة جديدة وطئت الشارع في إسرائيل منذ بداية عام 2013، هكذا يتبيّن من معطيات مبيعات السيارات في إسرائيل. ويتبيّن من المُعطيات بشكل واضحٍ أنّ سوق السيارات في إسرائيل، الذي تحكّمت فيه على مدى عقود السيارات اليابانية مثل سوبارو، ميتسوبيشي، ومازدا، قد أضحى له ملِك جديد: كوريا الجنوبية. فمنذ بداية العام، تتصدّر شركة هيونداي لائحة المبيعات منذ بداية العام بفارق كبير، فيما تحتلّ كيا المركز الثالث. وباعت الشركتان معًا نحو 51000 سيارة في إسرائيل، أي نحو ربع السيّارات كلّها.
مرّت طريق طويلة على سوق السيارات في إسرائيل قبل الهيمنة الكوريّة، تنافس خلالها الكثير من المصنِّعين على قلب المستهلِك. قبل 50 سنة، كانت السيارات الأوروبية والأمريكية تتنافس على الهيمنة، فيما غزت السيارات اليابانية السوق بشكل عاصف في سبعينات القرن العشرين. في منتصف الطريق، سُجّلت تجربة إسرائيلية غير ناجحة لتصنيع سيارة إسرائيلية مستقلّة.
اجتاز السوق تغييراتٍ كبيرة، لكن لا يبدو أنّ المذاق الإسرائيلي تغيّر أكثر من اللازم. فيبدو أنّ الهمّ الأوّل للسائق الإسرائيلي لا يزال هو هو: هل تحافظ السيارة على سعرٍ مرتفع على مرّ السنين؟
العقود الأولى – مقاطعة عربية، سيّارات بسيطة، وضرائب باهظة
في البداية، لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي قويًّا كفايةً ليُتيح تجارة حرة، ما أدّى إلى منع استيراد السيّارات. في أوائل الستينات فقط، سُمح باستيراد السيارات إلى إسرائيل، لكنّ نسب الضرائب المفروضة أدّت إلى اقتصار استيراد السيارات على بضعة أثرياء فقط. فقد كان يُباع نحو 3000 سيّارة في المعدَّل كلّ شهر. للمقارنة، في تشرين الثاني المنصرم، بيع في إسرائيل 17000 سيّارة – نحو خمسة أضعاف.
كانت السيارات الأوروبية الشعبية الأكثر انتشارًا في السوق، واقتنى معظم مالكي السيارات سياراتٍ من طرازَي رينو وفيات. رفض إسرائيليون كثيرون لم يتحرّروا من صدمة الحرب العالمية الثانية شراء سيّارة ألمانية. مع ذلك، ففي الستينات، تحوّلت سيّارة الخنفساء (البيتل) الشهيرة من إنتاج فولكسفاجن إلى شعبيّة جدًّا، وفي مرحلةٍ ما كانت الأكثر مبيعًا.
كانت المقاطعة العربية للاقتصاد الإسرائيلي عاملًا حاسمًا في تأخير نموّ سوق السيارات في إسرائيل. ورغم أنّ علاقات إسرائيل وفرنسا كانت ممتازة في فجر الدولة، فإنّ شركة “رينو” اضطُرّت إلى الخضوع للمقاطعة وإيقاف الإنتاج في إسرائيل لفترةٍ ما. عام 1959، قالت صحيفة دافار: “في خضوعٍ غير مسبوق لضغط عربي، أوقفت شركة “رينو” نشاطاتها في إسرائيل لتلقيها وعدًا بمحو اسمها من “اللائحة السوداء” للمقاطعة العربية”. ومنعت المقاطعة معظم مصنّعي السيارات اليابانيين من دخول السوق الإسرائيلي. فشركات عملاقة مثل هوندا، ميتسوبيشي، مازدا، وتويوتا خشيت فقدان معظم زبائنها في العالم العربي، وامتنعت عن التعاوُن مع إسرائيل.
عقد سوبارو
خرقت شركة واحدة فقط المقاطعة العربية، وهي سوبارو، وكوفئت كثيرًا. فمنذ عام 1969، بدأت الشركة تصنّع سيارات في إسرائيل، وتدفق الشعب الإسرائيلي بأعداد كبيرة لشراء سياراتها، لا سيّما من طراز “ليونا” الشعبي. حظي هذا الطراز، الذي كان رخيصًا وحاز صورة إيجابية، بنجاح كبير، وتمكّن من منافسة الطُّرُز الأوروبية ذات السعر المنخفض.
في الثمانينات، تربعت “سوبارو ليونا” على عرش المبيعات في إسرائيل، واحتفظت الشركة حتّى نهاية العقد بـ 40% من سوق السيارات في إسرائيل. أمّا المعطى المدهش أكثر في هذا السياق فهو أنّ إسرائيل الصغيرة كانت في الثمانينات المستورِد الثاني في العالم لسيّارات سوبارو، بعد الولايات المتحدة.
فكيف تمكّنت سوبارو من غزو السوق الإسرائيلي؟ في الثمانينات، افتُتح السوق الإسرائيلي أمام استيراد متزايد، وأصبح التنافُس شديدًا. داخل السوق المتزايد حجمُه، طلب المشترون الذين اشترَوا سيّارة للمرة الأولى ماركة تُعتبَر موثوقًا فيها. وأثارت الأسعار المرتفعة تساؤلات حول قدرة المتاجرة بالسيارات، أي إلى أيّ حدّ “تحافظ على قيمتها” حين تُباع كسيّارة مُستخدَمة. حوّل دمجُ السّعر المنخفض والحفاظ على القيمة سوبارو إلى ملكة الشارع. لم ينجح أيٌّ من المنافِسين في تهديد هيمنة سوبارو في الثمانينات.
تدليل ميتسوبيشي، والتأجير التمويلي لمازدا
أمّا ما أسقط سوبارو عن عرش المُلك في نهاية المطاف فكان المنافسة البيتيّة. ففي بداية التسعينات، ضعُف تأثير المقاطعة العربية حدّ الاضمحلال تقريبًا، فقرّرت شركات يابانية عديدة التنافُس للوصول إلى قلب المستهلِك الإسرائيلي.
نجحت سيارتان يابانيتان أخريان، ميتسوبيشي ومازدا، في غزو سوق سوبارو. كانت ميتسوبيشي بين أوائل الشركات التي عرضت في إسرائيل وسائل رفاهية مثل النوافذ الكهربائية، مقوَد لا داعي للقوة لتدويره، وجهاز تحكُّم لإقفال الأبواب. حوّلت كلّ هذه الأمور طراز ميتسوبيشي لانسر، ومن بعده طراز مازدا 323، إلى الأكثر مبيعًا في إسرائيل.
لكنّ ممثّل شركة مازدا في إسرائيل كان لديه ورقة جديدة قويّة، غيّرت الطريقة التي نظر بها الإسرائيليون إلى سيارتهم وحصّن هيمنة مازدا معظم سنوات ما بعد الألفَين: التأجير التمويلي (Leasing) – طريقة تمويل مكَنت الشركة من تزويد عشرات آلاف السيارات لشركات كبيرة، والحفاظ على حصّتها الكبيرة من السوق. مثل الزبائن الخصوصيين، بحثت شركات التأجير التمويلي أيضًا عن سيارة موثوق بها، يكون سهلًا بيعها كمستعمَلة بعد ثلاث سنوات من استخدامها كسيّارة شركة – وكانت مازدا هي العنوان.
حَدَثٌ محليّ
ليست لدى الجمهور الإسرائيلي ذكريات إيجابيّة عن محاولة إنتاج سيّارة إسرائيلية تُنافس في السوق المحليّ. في نهاية الستّينات، سعى رجال أعمال إسرائيليون إلى تصميم سيارة تجاريّة خفيفة، ذات 4 دواليب، مؤسسة على هيكل مُصنَّع محليًّا من الزجاج الليفي (fiberglass) ومركّبات ميكانيكية مستورّدة بالأساس من فورد إنجلترا. على مرّ السنوات، جرى تحديث هذا الطراز مرارًا عديدة.
دُعيت السيارة “سوسيتا”، في أعقاب مسابقة لمنح السيارة الإسرائيلية الجديدة اسمًا (“سوس” تعني حصانًا بالعبرية. كذلك، سوسيتا هو اسم موقع أثريّ شمال إسرائيل). جرى تصنيع السيّارة من موادّ رخيصة: أجزاء زجاج ليفيّ وُصلت بألواح خشبيّة. وكان قعر السيّارة خشبيًّا.
لاحقًا، طوّرت الشركة المصنّعة طراز “سوسيتا كرمل”، طرازًا مع بابَين. مع ذلك، خلال السبعينات انخفض إنتاج سوسيتا وكرمل بسبب الانخفاض المتواصل في الإقبال، لأسباب من بينها التغييرات في الضرائب السيارات، والإقبال على السيارات المتجددة والمبتكَرة أكثر. بالإجمال، تمّ تصنيع نحو 70 ألف سيارة من هذا النوع على مرّ السنين.
الانقلاب الكوريّ
عام 2011، تنحّت مازدا جانبًا، ولأول مرة منذ 30 سنة، كانت الماركة الأكثر مبيعًا في إسرائيل كوريّة: هيونداي. لكن خلافًا للماضي، كانت هيمنة الماركة الأولى في إسرائيل أصغر، إذ كانت حصّتها من السوق 15% فقط.
لا يزال مجد مازدا الماضي يساعدها على أن تكون مهيمِنة بين الإسرائيليين، إذ يبقى طراز مازدا 3، الذي تمتّع بشعبيّة كبيرة في الماضي، الأكثر شُيوعًا في إسرائيل. منذ بداية السنة، تحتلّ مازدا المركز الخامس في قائمة المبيعات. إحدى المفاجآت الكُبرى هذه السنة كانت “شكودا”.
فقد ارتفعت الشركة بشكل مذهل ليس في المبيعات فقط، بل أيضًا في حصّتها في السوق وفي المكان المرتفع على لائحة المبيعات – المكان الرابع، بعد هيونداي، تويوتا، وكيا.
ما الذي يؤدي إلى عدم تحكُّم أية سيارة اليوم بحصة كبيرة من السوق، كما كانت الحال مع سوبارو في الثمانينات؟ ”المذاق الإسرائيلي توزّع”، أوضح مؤخرا المدير العامّ في سوق السيارات لصحيفة “ذا ماركر”. “يفحص المستهلِك ملاءَمة السيارة لحاجاته. ثمة إضفاء طابع شخصيّ أكثر اليوم. قبل عشر سنوات، اشترَوا السيارات العملية والجديرة بالثقة، أمّا اليوم فالشراء هو عملية عاطفية وجذابة أكثر”.
يعتقد الاختصاصيّون في إسرائيل أنّ الإنفاق الكبير على السيّارات في إسرائيل، بسبب الضرائب الباهظة، أنتج لدى الجمهور تحفّظًا وخوفًا من المُخاطَرة. السيارات الأكثر مبيعًا هي تلك التي تُعتبَر جديرة بالثقة وقابلة للتجارة، وهذه الاعتبارات تفوق ميزاتٍ كالأمان وتوفير الوقود.