اليوم وقبل 35 عامًا تمامًا وقف رئيس الولايات المتحدة، جيمي كارتر، على منصة الخطابات في الكنيست الإسرائيلي، وقال: “سبعة رؤساء أمريكيّون آمنوا وأثبتوا أنّ علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل هي أكثر من مجرد “علاقات متميّزة”. لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة من نوعها. إنها علاقة لا يمكن تدميرها، لأنّها تستند إلى وعي، أخلاق، دين وإيمان الشعب الأمريكي نفسه”.
لقد جاء خمسة رؤساء أمريكيون بعد كارتر حتى اليوم، وجميعهم كان ملتزمًا تمامًا بالولاء الأمريكي لإسرائيل. ولكن جيمي كارتر نفسه تحديدًا، الرئيس الذي دفع بكامل جهده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ووصل إلى الإنجاز الأهم (وهنا من سيقول: الإنجاز الوحيد على مدى أربع سنوات من ولايته)، لا يزال محفورًا في الوعي الإسرائيلي باعتباره الرئيس الأقل ودّية لدولة اليهود.
مرورًا بِكان سفر كارتر إلى القدس هو جهده الأخير، المرحلة الأخيرة في الطريق إلى معاهدة السلام التاريخية بين مصر وإسرائيل. في نفس الوقت بدت الزيارة وكأنها مقامرة غير ناجحة وميؤوس منها، نظرًا للفجوات الواسعة بين الإسرائيليين وبين مصر. استمرت زيارة كارتر لإسرائيل ثلاثة أيام، وكانت محفوفة بالأزمات والمناقشات المثيرة بين الوفد الأمريكي برئاسة كارتر وبين القيادة الإسرائيلية، والتي طرحت موقفًا ثابتًا إزاء مطالبات مصر.
في مرحلة ما خلال المناقشات مع الجانب الإسرائيلي، وقف كارتر على رجليه ووبخ رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحم بيجن قائلا: “هل تريد السلام أصلا؟”. في اللحظة الأخيرة تمامًا، حيث كان يبدو أنّ المحادثات ستفشل والرئيس الأمريكي كان متأهّبًا للعودة إلى واشنطن بأيدٍ فارغة، فقط حينذاك تم تحقيق الانفراجة التي مكّنت كارتر من العودة إلى القاهرة والحصول على موافقة السادات على جميع بنود الاتفاق. بعد أسبوعين من ذلك، في 26.3.1979 وقّعت إسرائيل ومصر على معاهدة السلام.
تلك هي نقطة للتفكير: اليوم أيضًا نحن نرى مسؤولا أمريكيَا كبيرَا جدَا يبذل كلّ جهده السياسي لتحقيق انفراجة سياسية في الشرق الأوسط. هل سيتبيّن في النهاية أن رهان جون كيري أيضًا كان صحيحًا؟ وكيف سينظر إليه التاريخ؟
لم يكن مصير القادة الثلاثة الذين حقّقوا الخطوة التاريخية جيّدًا. تم اغتيال رئيس مصر أنور السادات، أصيب مناحم بيجن بالاكتئاب واستقال من منصبه، في حين أنّ رونالد ريجين هزم كارتر في انتخابات عام 1980، ولم يحظ للاستمرار بولاية أخرى. ولكن الخسارة في الانتخابات لم تكن الكلمة الأخيرة بالنسبة لكارتر.
منذ انتهاء ولايته كرّس كارتر حياته لتعزيز السلام حول العالم. يعمل “مركز كارتر” برئاسته بشكل كبير في العالم الثالث على حلّ الصراعات، تعزيز حقوق الإنسان، مشاريع للتلقيح ضدّ الأمراض، ومشاريع لزيادة الإنتاج الزراعي. وقد حظي بفضل هذه الأعمال أيضًا على جائزة نوبل للسلام عام 2002.
ولكن في السياق الإسرائيلي – العربي عزّز كارتر موقفه باعتباره مؤيّدًا للجانب العربي، ومنتقدًا حادًّا للجانب الإسرائيلي. ويظهر تأييده ذلك في كتابه الذي نُشر عام 2006: Palestine: Peace Not Apartheid، والذي حمّل فيه إسرائيل بشكل كبير المسؤولية عن فشل عملية السلام بينها وبين جيرانها العرب والفلسطينيين. في الاحتياط والذي أغاظ الإسرائيليين بشكل خاصّ هو استخدام كلمة “فصل عنصري” (أبارتهايد).
فضلا عن ذلك، ففي السنوات الأخيرة قام كارتر ببعض الخطوات التي أدّت بالكثيرين إلى الشكّ في حياديّته باعتباره وسيطًا للسلام في الشرق الأوسط. بل وقد كشف صديقه السابق، رجل الشعب اليهودي – الأمريكي آلان ديرشوفيتز، أنّ كارتر قد تلقّى دعمًا كبيرَا من رجال أعمال عرب. قال كارتر في وقت سابق بأنّ الصحفيّين المحترمين لا يمكنهم كتابة تقرير عادل حول الشرق الأوسط، لأنّه يتم تمويلهم بما سمّاه “المال اليهودي”، ولكنه في نفس الوقت لم يمتنع عن قبول ملايين الدولارات من مصادر سعودية ومن الإمارات العربية المتحدة.
خطوة أخرى قد أغضبت الكثيرين في إسرائيل، وهي استعداد كارتر للقاء مسؤولين يدعون بشكل صريح إلى محو إسرائيل من خارطة العالم. عام 2008، التقى مرّتين برئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، ومع الرئيس السوري بشّار الأسد. وكانت المواقف التي أعرب عنها في تلك الزيارات متوافقة تمامًا مع مواقف الأسد: ادّعى كارتر أنّه من غير المعقول تحقيق السلام إنْ لم تنسحب إسرائيل من جميع أراضي الجولان. بعد سنوات ليست كثيرة بدأ الأسد بذبح شعبه بوحشية.
عام 2009 التقى كارتر مع رئيس حكومة حماس المُقالة، إسماعيل هنية، وأعرب أمامه عن أسفه بأنّ “المجتمع الدولي يتجاهل صرخات المواطنين الفلسطينيين ويعاملهم كالحيوانات”. وقد انتقد رئيس الكنيست حينذاك، رؤوفين ريفلين، كارتر وقال له إنّ أنشطته يُشار إليها في إسرائيل بأنّها دعم للإرهاب.
ليس من الواضح، ما الذي أدّى بكارتر إلى أن يقوم بهذا التحوّل من موقف الداعم رقم 1 في العالم لإسرائيل، إلى أحد أشدّ المنتقدين لها. بصفته رئيسًا للولايات المتحدة حرص كارتر على علاقة غير قابلة للكسر بين القوى العظمى الأمريكية وبين حليفتها في الشرق الأوسط. ولكنه بصفته رئيسًا سابقًا فقد صرّح مرّة تلوَ الأخرى بأنّ إسرائيل هي المسؤولة عن غياب السلام في الشرق الأوسط.
هل هو المال السعودي الذي أدّى بكارتر لتغيير رأيه؟ وهل سنصادف في المستقبَل رؤساء أمريكيين آخرين يشوّهون صورة إسرائيل في اللحظة التي يتركون فيها البيت الأبيض؟ وحدها الأيام كفيلة بالإجابة.