انتهت المراحل الأخيرة والحاسمة من المفاوضات لإنهاء إضراب الأسرى بينما كان مروان البرغوثي المنهك بعد أن خاض 40 يوما من الإضراب عن الطعام (لا يتضمن حادثة تناول حلوى “تورتيت” التي نشرتها مصلحة السجون الإسرائيلية) يمكث في مستشفى في شمال إسرائيل، وهو فاقد للوعي تقريبا.
كان من المتوقع أن يكون إضراب الأسرى الذي انتهى بهزيمة نكراء للبرغوثي بمثابة نقطة انطلاقة لعودته إلى الحلبة السياسية، على خلفية احتدام المعركة على الوريث واليوم التالي لرئيس السلطة الفلسطينية، “أبو مازن”.
ولكن يتضح أن البرغوثي يحظى بمكانة هامة لا سيّما في الاستطلاعات وفي أوساط بعض الصحفيين الإسرائيليين الذين يصرون على تسميته “الرئيس الفلسطيني القادم”، ويحاولون إقناع الرأي العام أن المفاوضات مع مَن يسمونه “نيلسون مانديلا الفلسطيني” هي الحل الرئيسي لصنع السلام.
دفاعا عن البرغوثي يمكن القول إن القوى التي عملت على إفشاله كانت أقوى وأذكى منه بكثير. عمل ائتلاف من قوى عديدة، يجمعها عامل مشترك وحيد، هو الطموح إلى إفشال البرغوثي: إسرائيل، لا سيّما وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، الذي أراد أن يظهر لناخبي الليكود هذه المرة، أنه خلافا للمرات السابقة التي خاض في الأسرى الفلسطينيين إضرابا عن الطعام، لن تستسلم إسرائيل ولن ترضخ لتهديدات إشعال المنطقة. كان على أردان الذي يتعرض لهجوم من قبل الصحافة في إسرائيل بسبب قضايا أخرى أن ينجز نصرا هذه المرة بأي ثمن.
هناك جهة أخرى وهي حماس التي لا ترغب في تعزيز مكانة البرغوثي وأعلنت عناصرها في السجون أنها لن تنضم إلى الإضراب عن الطعام.
وتشكل السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن عاملا مركزيا حيث رأى أن هذا الإضراب هو بمثابة إعلان تحد له بشكل شخصي. يقول مقربو أبو مازن إن القليل من المكاسب التي حققها الإضراب كان يمكن تحقيقها بعد 10 أيام فقط، لو أن البرغوثي لم يكن مصرا.
أيا كان، فقد امتد إضراب الأسرى عن الطعام نحو 40 يوما وحقق مكاسب قليلة جدا. لم يهتم الشارع الفلسطيني بشكل خاص بالإضراب وخاب الأمل في خلق موجة احتجاجية شعبية. لم يرفع الإعلام الفلسطيني المتماهي مع السلطة ومع حماس أيضًا من شأن الإضراب وغطاه بشكل ثانوي فقط.
ماذا يمكن أن نتعلّم من هذه الأحداث؟ في البداية يمكن أن نتعلم عن الفجوة بين الاستطلاعات المطرية التي تصدر البرغوثي فيها مرتبة هامة وبين قدراته القيادية والسياسية.
أصبح البرغوثي في السجن أيضًا شخصية لا يخضع لها الكثيرون، حتى من بين عناصر فتح. صحيح أن هناك خلافات كثيرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لا سيّما في هذه الأيام في ظل الجهود التي يبذلها ترامب من أجل السلام، ولكن عندما تكون لديهما مصلحة مشتركة، فهما تنجحان في التعاون معا بشكل ناجع. وهكذا تم التآمر على البرغوثي بسهولة على يد الشاباك، مصلحة السجون، بولي مردخاي، وحسين الشيخ وآخرين. من يعتقد أنه وجد وريثا لأبو مازن، عليه أن يدرس الفكرة مجددا.