احتفلت “الدولة الإسلامية” (المعروفة أيضًا باسمها السابق، داعش) في بداية هذا الشهر بمرور عامين على إعلان قيامها. كان إعلان دولة الخلافة – حكم ديني، سياسي وعسكري موحد بزعامة الخليفة أبو بكر البغدادي، الذي جاء ليُعيد مكانة الإسلام السني إلى سابق عهده – حدثًا مُدويًا، أعلن عنه التنظيم كتحقيق لـ “وعد الله”. هكذا حققت الدولة الإسلامية رؤيا مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، أبو مُصعب الزرقاوي، الذي وعد أن يُعيد إرساء دعائم الخلافة من أجل مُحاربة “جيوش الصليبيين” في القرن الـ 21 (الولايات المتحدة والغرب)، ومحاربة الشيعة المكروهين، الذين تسلموا سدة الحكم في العراق بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003.
رافقت إعلان الخلافة حملة دعائية مُلفتة هدفت إلى إشعال جذوة الخيال في أذهان المُسلمين السُنّة حول العالم وزرع الرعب في قلوب دول أعداء التنظيم، وعلى رأسها دولٌ عصرية مثل السعودية، العراق، والأردن. كان هدف الدولة الإسلامية هو تغيير الخارطة السياسية في الشرق الأوسط من أساسها، تحرير أراضٍ إسلامية من يد الدول القومية العربية، والتوسع شيئًا فشيئًا في الشرق الأوسط، ومن ثم في بقية أنحاء العالم. وأعلنت الدولة الإسلامية، كجزء من هذا المشروع خلال الأشهر الأولى من إعلان قيامها، عن تأسيس “إمارات” لها، بداية من العراق وسوريا ومن ثم مصر، اليمن، السعودية، نيجيريا، الجزائر، ودول أخرى. وكان الهدف من هذه الإمارات أن يُثبت التنظيم لمناصريه وأعدائه على حد سواء أن الدولة الإسلامية تتوسع خارج المناطق المركزية المتواجد فيها التنظيم في العراق وسوريا كجزء من تحقيق وعد الله لعبيده.
إلا أن الفيلم الترويجي الجديد الذي نشره التنظيم والذي يحتفي بهذه المناسبة ببث صور مباشرة من مناطق الدولة الإسلامية ويُظهر ثبات وعزيمة مُقاتليه، يُظهر شيئًا ويخفي أشياء. الدولة الإسلامية الآن موجودة في حالة دفاع وبعيدة كل البُعد عن شعار التنظيم الذي لا يُقهر، الشعار الذي رافقها منذ صيف 2014. الكثير من الإمارات التي تتفاخر بأنها قائمة موجود اسميَّا فقط وغير قائم في الواقع، وفي مناطق أخرى تُقاتل جماعات محلية وتستعيد مناطق احتلها تنظيم داعش. تمكن الجيش العراقي في الأسابيع الأخيرة، بمساعدة قوات التحالف الدولي من استعادة مدينة الفلوجة من براثن تنظيم داعش، وقد بدأ الحديث عن استعادة مدينة الموصل، عاصمة التنظيم في العراق، من أيدي التنظيم.
إلا أنه على الرغم من ذلك لا يزال باكرًا أن نندب الدولة الإسلامية. زيادة على ذلك نجد أن قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية قاتلة، في الشرق الأوسط وفي دول الغرب، هي حقيقة مُثبتة، وقد نُسبت آخر عملية تفجير طالت مطار أتاتورك إلى التنظيم. ما زالت وحشية التنظيم وترويجه الدعائي الذكي يلزمان الأفراد الإرهابيين، كما حدث في العملية الإرهابية الوحشية التي طالت الملهى الليلي الخاص بالمثليين في أورلاندو، في شهر أيار الأخير، وأيضًا في سان برناردينو في كاليفورنيا، في كانون الأول عام 2015. بعض العزاء نجده في أن الدولة الإسلامية رغم وجودها لم تعد تتوسع.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة على موقع منتدى التفكير الإقليمي