تثار مسألة أصل سمير القنطار الدرزي من جديد في أعقاب اغتياله في عملية منسوبة إلى الجيش الإسرائيلي. ومقابل مكانة الطائفة الدرزية في دولة إسرائيل، فإنّ مكانتها في العالم العربي قد تأثرت بشكل استثنائي في الحرب الأهلية الدموية الجارية في سوريا، إلى درجة أن الكثيرين من المسلمين السنة يعتبرون اغتيال القنطار نعمة.
يعتبر الدروز داخل المجتمع الإسرائيلي طائفة محترمة وكبيرة، وشريكا مهما للسكان اليهود في بناء دولة إسرائيل. فيقدّر الإسرائيليون الدروز ومواقفهم، والتي تتمثّل تحديدا بالوطنية والتطوّع في المناصب الأكبر في الجيش الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، يعتبر غسان عليان قائد لواء جولاني بطلا إسرائيليا لا سيّما على ضوء قيادته وبطولته في فترة الحرب في غزة.
وقد وُضع هذا الولاء على محك الاختبار في حادثَي الهجوم العنيفين لمواطنين دروز ضدّ سيارات الإسعاف التي نقلت جرحى سوريين للعلاج في إسرائيل في حزيران الماضي. الإسرائيليون، الذين يفضلون إبقاء موضوع علاج جرحى الحرب كمسألة إنسانية وليست سياسية، ليسوا معنيين بالتدخل في تهديدات عناصر جبهة النصرة تجاه دروز منطقة السويداء.
وتشير مظاهر الفرح لمقتل القنطار إلى أنّه ربما يعتبرُ الكثير من العرب الدروز في سوريا كموالين لنظام بشار الأسد. وذلك رغم حقيقة أنّ الكثير من الدروز لا يعتبرون القنطار لحما من لحمه، لأنه تزوج من امرأة فلسطينية ويعتبر في نظر الكثير فلسطينيا بكل معنى الكلمة.
وبشكل عام، لا تعتبر حالة الولاء لدى الطائفة الدرزية في سوريا واضحة في السنوات الأخيرة، ورغم ميلهم منذ سنوات طويلة في الوقوف إلى جانب النظام فقد أصبح ميلهم الآن في الاتجاه المعاكس.
منذ بداية “الربيع العربيّ” كان أبناء النخبة الدرزية من قادة النضال من أجل التغيير السياسي في سوريا. وقد دعا زعماء الطائفة قبل ثلاث سنوات الشباب الدروز إلى تفضيل الدفاع عن السويداء على الولاء للأسد. بل إنّ عشرات الآلاف من أبناء الطائفة مطلوبون من قبل الشرطة للخدمة العسكرية، بسبب مأزق القوى البشرية الصعب. وقد وصلت موجة التباعد بين السوريين والأسد إلى ذروتها مع اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، الزعيم الدرزي الأبرز والذي تزعم معارضة نظام الأسد.
على هذه الخلفية، عمل سمير القنطار على إعادة تجنيد الدروز في منطقة الجولان لشبكة عسكرية تعمل ضدّ إسرائيل. وفي الوقت الذي يغرق فيه حزب الله عميقا في المعارك الاستنزافية للدفاع عن بشار، كان يعمل القنطار على تجنيد الدروز من جديد إلى جانبه بمساعدة القتال ضدّ إسرائيل في هضبة الجولان. ورغم أنّ محور إيران وحزب الله وبشار الأسد قد صمد في الحرب رغم كل الصعوبات، فإنّ اغتيال القنطار يمس بأحد المشاريع الوحيدة للنضال ضدّ إسرائيل والذي لم يهمله حزب الله.