دار الحديث كثيرا عن الصراع الإسرائيلي العربي – أو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وكُتب عنه. غالبا، كان الاهتمام دبلوماسيا أو سياسيا وانشغل بالجوانب التاريخية.
لم تُسمع أصوات أولئك الذين عاشوا هنا في فترات الصراع المختلفة، تقريبا. يُعرف القليل جدا عن الناس، يهودا وعربا على حدّ سواء، الذين عاشوا هنا في فترة الانتداب البريطاني (1917-1948). تُميّز تلك الفترة التي كانت مليئة بالعنف وعدم اليقين هوية عدد غير قليل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
كان مشروع التصوير “فلسطين/ أرض إسرائيل”، للمصورة الإسرائيلية، هداس بروش (لصالح وكالة التصوير Flash90)، بمثابة عودة في الزمن إلى الوراء، لفهم قصص الأشخاص الذين عاشوا في هذه الأرض، في تلك السنين، في الفترة بين الانتداب البريطاني وبين إقامة دولة إسرائيل (1948) وللتعرّف إليها أيضا.
“يطمح مشروع “فلسطين/ أرض إسرائيل” إلى التعرّف إلى القصص والتجارب المختلفة لكل مَن تم تصويره حيث يُسأل عن دلالة البطاقة الفلسطينية التي يحملها، وعن وجهة نظره حول انتمائه إلى هذه الأرض”، كما تقول بروش في حديثها معنا.
وتدمج سلسلة الصور المميزة بورتريهات ليهود وعرب من مواليد أرض إسرائيل/ فلسطين في فترة الانتداب البريطاني، يحملون بطاقات فلسطينية أصلية من فترة الانتداب. على كل بطاقة، شهادة ميلاد، بطاقة هوية، أو جواز سفر – مكتوب “ממשלת פלשתינה (א״י)” بالعبرية، و Palestine بالإنجليزية، وفلسطين بالعربية.
وُلدت فكرى تعقّب الأشخاص الذين وُلدوا هنا في تلك الفترة عندما التقت بروش بجدتها، التي وُلدت هي أيضا عام 1934. فُوجئت بروش عندما عرفت أن شهادة ميلاد جدّتها تظهر عليها كتابة “فلستينا” بالعبرية.
رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت تتراكم قصص وتجارب مختلفة لأشخاص شكّلوا فسيفساء السكان على هذه الارض، قبل إقامة دولة إسرائيل. يعرض التوثيق الأصلي لبروش بورتريهات لأشخاص مختلفين، يهودا وعربا، حيث تظهر إلى جانبهم بطاقة هوية أو شهادة ميلاد أصلية (من فترة الانتداب).
تحمل كل صورة من تلك الصور قصة شخصية لأصحابها، بكلماتهم الخاصة. “هناك دلالة خاصة لاسم فلسطين لكل شخص تم تصويره وقصة خاصة بتلك الفترة تحت حكم الانتداب. تُستخدم الوثيقة نفسها في المشروع مفتاحا للحديث عن القصة الشخصية لكل واحد، وهي معدّة للمشاهد الذي سيواجه حالات الواقع المختلفة والمتناقضة أحيانا التي كانت قائمة في الوقت ذاته على الأرض المتنازع عليها ذاتها”، كما تقول بروش.
جمعنا قصص ستة أشخاص، عربا ويهودا، من سلسلة الصور لنفهم ماذا اعتقدوا حول تلك الفترة المهمة في التاريخ للشعبين. وهذا ما قاله كل واحد منهم حول بطاقة هويته
ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في حيفا، إسرائيل
“كل مَن وُلد قبل عام 1948، يحمل بطاقة هوية، العرب، اليهود، والجميع. عندما كنا صغارا، مَن كان يدرك أساسا معنى فلسطين أو إسرائيل؟ تظهر على هذه الوثيقة العبارة “فلسطين أرض إسرائيل”. من يستطيع أن يثبت ذلك؟ أنا لست فلسطينيا، لماذا؟ لأني وُلدت هنا. شهادة ميلادي فلسطينية، فماذا بعد؟ هل عليّ أن أجادل نتنياهو؟ إسرائيل موجودة: حقيقة. الضفة الغربية قائمة، وتقع تحت الاحتلال، ونحن ننتظر. أنا أعيش في إسرائيل، لا يمكن إخفاؤها. أنا سعيد في العيش فيها. لن تقوم دولة فلسطينية أبدا”.
تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس، عهد الانتداب البريطاني. تعيش في مستوطنة كريات أربع، الخليل، الضفة الغربية
“وُلدتُ في مستشفى “بيكور حوليم” في القدس، لقد نقلوا إليه حينها كل الجرحى الذين أصيبوا من المذابح ضدّ اليهود في مدينة الخليل في ذلك الحين. عندما أخبرتُ أمي أنني سأنتقل للعيش في الخليل، كانت على وشك أن يُغمى عليها فقالت: “هل تريدين العيش مع هؤلاء القتلة؟”.
أنا من الجيل السابع في إسرائيل. أحفادي في الواقع من الجيل العاشر. بطاقة الهوية هذه هي قصة حياتي. أنا فلسطينية. هكذا مُسجل فيها. دائما كنا صهاينة، حينذاك لم نعرّف أنفسنا أبدا كفلسطينيين. في نظري لم تكن هذه فلسطين وإنما أرض إسرائيل. كان اسم فلسطين شتيمة. كان ذلك اختراع لهادريان الذي أراد محو اسم إسرائيل، فسماها فلسطين، على اسم الفلستيين. ولكن هذا الاسم لا يعنيني. كنت يهودية في أرض إسرائيل وصهيونية”.
شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل
“لا أعارض شخصيا إقامة دولة إسرائيل، أو إقامة دولة فلسطين. إذا عاش الإسرائيليون والفلسطينيون معا، يمكن أن يختاروا اسما جديدا، وهذا لا يهمني. ولكن يهمني أن يحصل الجميع على حقوقهم فقط. في هذه الأيام، يزعم أشخاص مثل ليبرمان أنّه لا يوجد شيء اسمه فلسطين. مَن هو ليبرمان أصلا، مهاجر روسي جاء إلى هذه البلاد. اتركوا العرب واليهود يحلّون مشاكلهم وحدهم. وعندما يتم إنكار وجود فلسطين، فهذا يعني أنني غير قائم. كأننا سقطنا من السماء”.
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. تعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل
“عانت هذه المنطقة طيلة سنوات طويلة تحت احتلال الجيش الإسرائيلي، حتى عام 1967. شهدت البلاد حصارا خانقا. كان الاحتفاظ بمثل هذه الوثائق الفلسطينية صعبا جدا. لم يُسمح لنا أن نذكر اسم فلسطين، نرفع العلم، أو أن نعرّف أنفسنا كفلسطينيين. كانت المرة الأولى التي استخدم فيها الناس هذا المصطلح في الانتفاضة الأولى، 1987. فتحدثوا عن ذلك حينها فقط وتحرّروا من الضغوط. فالعثور على وثائق كهذه، يشير إلى أنّه يوما ما كان الأمر مختلفا. كانت هنا دولة ذات مرة وكنت مواطنة فيها. مررت فترة صعبة، وأحتفظ بشهادة الميلاد هذه من أجل أن يراها أولادي والأجيال القادمة. إنّها تذكار جيّد”.
إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في القدس، إسرائيل
“حتى حرب الاستقلال عام 1948، لم أكن أذكر اسم فلسطين. نعم عرفت الاسم من وثائق أرض إسرائيل فلسطين. ولكن كنا نسميها أرض إسرائيل. سمّينا العرب – عرب أرض إسرائيل. سمّاها البريطانيون فلسطين لأنّهم كانوا يعملون على مساعدتنا في الاستيطان هناك. أعرب العرب عن مقاومة شديدة لحركة الاستيطان اليهودي. لقد أرادوا الأرض ملكهم فقط.
بطاقة الهوية هذه هي منذ الفترة التي عشتُ فيها تحت الانتداب، والحقيقة هي أنّ الانتداب، قد كلّف من قبل الكومنولث، لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، على شكل وعد بلفور“.
اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في شعفاط، القدس الشرقية، إسرائيل
“في الفترة التي حرص فيها اليهود الفلسطينيون، أقصد ليس هؤلاء الذين قدموا أثناء الاحتلال، بل الذين كانوا في البلاد اهتم كل واحد بالآخر، وعاش الناس في البلاد كجيران وأصدقاء تربطهم علاقة حسنة. لم يهتم أحد بدين الآخر، سواء كان يهوديا أو مسلما.
جواز السفر هذا، يثبت للعالم كله أنّه كانت يوما ما فلسطين على هذه الأرض ونحتفظ بالوثائق للإثبات. ما معنى دولة؟ كيف تُبنى؟ – علم، عملة، وثائق وأرض. نحن فخورون لأننا نملك جواز سفر من تلك الفترة. هذه الأرض هي مُلك الشعب الفلسطيني – فبناء على التاريخ، والوثائق، قدم اليهود إلى البلاد وأخذوا منا أراضينا، سلبوا حريتنا، ووضعونا في السجن. نحن نعيش في سجن كبير”.