تعود مدينة حيفا خطوة تلو الأخرى إلى مركز الاهتمام العالمي، بصفتها العاصمة غير الرسمية للنخبة الفلسطينية العلمانية. فحيفا هي ثالث أكبر مدينة في إسرائيل، ويعيش فيها نحو 300 ألف شخص وغالبيتهم من اليهود و 13% من العرب المُسلمين والمسيحيين.
ويتحدث تقرير خاص أعدته ضياء حديد، مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في الشرق الأوسط، عن نهوض ثقافي في وسط العرب في المدينة، الواقعة على الخط الساحلي للشرق الأوسط. إلا أنه على الرغم من أن المراسلة حديد لا تتطرق إلى المقارنة ذاتها، يبدو من تقريرها أن حيفا أصبحت أشبه ببيروت، مدينة لكل الثقافات، الطوائف واللغات.
وصفت حديد في تقريرها ثقافة المقاهي والملاهي الخاصة بسكان حيفا العرب، حيث أبوابها دائمًا مفتوحة للعرب الرافضين للقوانين المُحافظة السائدة في غالبية المُجتمع العربي. فيُمكنكم أن تجدوا في ملاهي حيفا مثليّين عرب يكشفون عن هويتهم الجنسية بوضوح، عزاب وعزباوات شبان يُعبرون علنا عن مشاعرهم تجاه بعضهم البعض دون علاقة زواج تربطهم معا، وشبان يشربون الكحول بخلاف تعاليم الإسلام.
“نُريد أن يرقص زوجان مثليان معا في حلبة الرقص ويتبادلان القُبل، هذا هو المُجتمع الفلسطيني الجديد الذي نطمح إليه”
وكتبت حديد: “حيفا مكان مُريح للفلسطينيين الليبراليين الذين يُريدون التحرر من القيود المُحافظة في المجتمعات المحلية العربية وبين أوساط شعبهم.” وقد أجرت حديد مُقابلة مع امرأة عربية من سكان حيفا التي تحدثت بدورها كيف توفر حيفا ملجأ للنساء العربيات العزباوات اللواتي تُردنّ الهروب من الشائعات التي تُحيط بهنّ. وقال مواطن آخر وهو إياد فضل، مالك ملهى، لحديد: “نُريد أن يرقص زوجان مثليان معا في حلبة الرقص ويتبادلان القُبل، هذا هو المُجتمع الفلسطيني الجديد الذي نطمح إليه”.
ولذلك، فمن زوايا عديدة، حيفا هي جزيرة علمانية وحرية. على مسافة ساعتين من السفر، جنوبا منها، يقع قطاع غزة الذي يسيطر عليه مُتشددو حركة حماس، وعلى بُعد ساعة سفر شمالاً هناك جنوب لبنان الشيعي الذي ينتشر فيه مُسلحو حزب الله الذين يتلقون أسلحتهم من إيران. بينما يُحاول الفلسطينيون في حيفا بناء مُجتمع فلسطيني جديد يتميز بالتسامح وتقبل ظاهرة المثلية الجنسية، احتساء الكحول والعزوبية المتأخرة، على بعد مسافة قصيرة من هناك تعيش مُجتمعات ترى بأن مثل تلك الظواهر هي ما أدى إلى الحكم بالإعدام على من يتبعها.
غزة وحيفا، هما مدينتان ساحليتان قريبتان ومُختلفتان في آن واحد. يتساءل من ينظر إلى حيفا، إلى أين سيتجه المُجتمع الفلسطيني في السنوات القريبة؟