أنّ العقوبة الفورية لمن يدخل إلى الأجزاء الأكثر قداسة في الهيكل، وفقا للتقاليد اليهودية، هي الموت من قبل الله.
“المستوطنون يقتحمون الأقصى” – يُنشر هذا العنوان يوميا في وسائل الإعلام، ويثير ردود فعل غاضبة من المسلمين في أرجاء العالم. ولكن ما لم تعرفوه هو أنّ المعارضين الأكبر لدخول اليهود إلى الحرم القدسي الشريف، هم تحديدا يهود متديّنون. في الأسبوع الماضي فقط، هاجمت بشدّة صحيفة “يتد نئمان”، وهي الصحيفة الأكثر انتشارا في المجتمع اليهودي المتديّن (“حريدي”)، أولئك اليهود الذين “يقتحمون الحرم القدسي الشريف”، ودعت بوضوح إلى حظر دخول اليهود إلى الحرم: “كل من يستطيع عليه واجب العمل على هذا الموضوع، إغلاق الحرم بإحكام ومنع دخول مُنجّسيه”. لماذا، وفقا للشريعة اليهودية، يعتبر دخول اليهود إلى الحرم القدسي الشريف مُنجّسًا له؟
وفقا للتاريخ اليهودي، في جزء من مساحة الحرم القدسي الشريف، الذي يوجد فيه اليوم المسجد الأقصى، كان يقع في الماضي الهيكل. كان الهيكل هو المكان الأكثر قداسة لليهود، قبل تخريبه. ما زال يزور اليوم يهود الحرم القدسي الشريف بل ويشجّعون آخرين على القيام بذلك أيضا انطلاقا من مشاعر دينية أو قومية، ولكن في المقابل، هناك أيضًا يهود يعارضون بشدة دخول أبناء شعبهم إلى منطقة الحرم القدسي الشريف.
لا يدور الحديث عن يهود يعارضون دخول إخوانهم إلى الحرم القدسي الشريف انطلاقا من اعتبارات المساس بمشاعر المسلمين، أو لاعتبارات سياسية للحفاظ على الوضع الراهن منذ عام 67، وإنما تحديدا عن أولئك الذين يعارضون الدخول إلى الحرم القدسي الشريف بسبب موقف الشريعة اليهودي في هذا الموضوع – كما يفهمونه.
في سنة 67، الحاخامية الرئيسية في إسرائيل قد حذّرت مواطني الدولة اليهود: “يحظر علينا زيارة الحرم القدسي الشريف”
يُطرح السؤال في أعقاب خراب الهيكل الثاني عام 70 من الميلاد. حتى لحظة الخراب – لم يكن هناك جدل في اليهودية أنّ المكان الذي كان يقع فيه الهيكل، وفقا للتقاليد اليهودية، كان مكانا يجب على كل يهودي زيارته ثلاث مرات في السنة على الأقل من أجل أداء واجبه الديني. واليوم، من غير الواضح بشكل مؤكّد أين تقع الأجزاء المقدسة من الهيكل، والتي يحظر دخول بعضها على اليهود النجسين من دون التطهّر، ويحظر على بعضها الدخول في جميع الأحوال. فإنّ جميع اليهود مشتبهون بالنجاسة (عدم الطهارة)، ببساطة لأنّ الوسائل التي يتطلّبها الكتاب المقدّس من أجل تطهير أنواع معيّنة من النجاسة، غير موجودة اليوم.
إحدى مخاوف المعارضين من زيارة الحرم القدسي الشريف، هي أنّ الزائر قد يدوس عن طريق الخطأ المكان المحظور، ومن ثم يدنّسه. من الجدير بالذكر أيضًا، أنّ العقوبة الفورية لمن يدخل إلى الأجزاء الأكثر قداسة في الهيكل، وفقا للتقاليد، هي الموت من قبل الله.
هناك حقيقة مثيرة للاهتمام في تاريخ الجدل حول الحرم القدسي الشريف، وهي أنّه في سنة 67 مع انتقال السلطة على الحرم القدسي الشريف إلى أيدي إسرائيل، فإنّ الهيئة الرسمية في دولة إسرائيل لشؤون الدين تحديدا، الحاخامية الرئيسية، قد حذّرت مواطني الدولة اليهود بعدم زيارة الحرم القدسي الشريف، بسبب نجاستهم: “يرى مجلس الحاخامية الرئيسية أنّه من الضروري تذكير الشعب أنّه بسبب قداسة المكان التي لم تنته صلاحيتها أبدا، يحظر علينا زيارة الحرم القدسي الشريف، حتى يُبنى الهيكل سريعا في أيامنا مع مجيء المسيح منصفنا”.
في المقابل، كما هو معلوم، فإنّ الجدل حول مسألة الزيارة اليهودية للحرم القدسي الشريف لم يهدأ منذ أن نشرت الحاخامية الرئيسية هذا الحظر، بل اشتدّ فحسب. من المعلوم للجميع أنّه لا يزال هناك يهود يصرّون على زيارة الحرم القدسي الشريف، مثل أعضاء حركة “أمناء جبل الهيكل”، ويعربون عن مبررات دينية. إنهم يدّعون أنّهم نجحوا في اكتشاف، بشكل مؤكد، موقع الأقسام المقدّسة لليهود في الهيكل، وهكذا فهم يحرصون على عدم الاقتراب منها. وفقا لرأيهم، فلا يوجد حظر ديني بأن تكون هذه الأقسام في سائر مساحة الحرم القدسي الشريف، وبحسب زعمهم هناك أهمية شعورية خاصة، وفقا للتقاليد اليهودية، لزيارة المكان الذي كانت فيه روح الله. تعتبر صلاة اليهود في الحرم القدسي الشريف اليوم محظورة وفقا للوضع الراهن.
وفي هذا الصدد هناك معسكران وهما، من جهة، المقتنعون جدا أنّ دخول اليهود إلى الحرم هو تدنيس للمقدّس، ويجب إيقافه بكل ثمن، ومن جهة أخرى، هناك المستعدّون للتضحية بحياتهم من أجل زيارة الحرم القدسي الشريف، ويدفع كلاهما التزام عميق من أجل الحفاظ على التعاليم الدينية الأصلية لليهودية بخصوص المكان الأقدس بالنسبة لها، ولكن كل واحد يفهم هذه التعاليم بطريقة مختلفة تماما.