تحوّل تدخين القنب، أو الماريجوانا كما هو معروف شعبيًا، ليصبح شائعًا جدًا في المجتمع الإسرائيلي ولم نعد نتحدث عن ظاهرة مهملة. تشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من مليون إسرائيلي تعاطوا الماريجوانا في السنة الأخيرة ونصف مليون شخص يدخنونه بشكل ثابت.
ربما كانت المواد الفعالة في الماريجوانا أو القنب ممنوعة قانونيًا بكل ما يتعلف باستخدامه كمخدّر إلا أن هناك مكمّلات غذائية، دهون وعناصر أُخرى مرتبطة به ويُسمح باستخدامه فيها وحصل على كل المسوغات القانونية.
يثار اليوم أكثر من ذي قبل نقاش جماهيري واعٍ في إسرائيل يتعلق باحتمال تسويغ تعاطي هذا المخدّر تعاطيًّا شخصيًّا قانونيًا. يقول المعارضون لتسويغ تعاطي هذا المخدّر أن هذه المادة هي مخدر على أي حال ومضر بالصحة وقد يؤدي إلى الإدمان. تسويغ تعاطي هذا المخدّر قانونيًا، برأيهم، من شأنه أن يتيح للمزيد من الأشخاص تعاطي هذا المخدّر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بمشاكل صحيّة صعبة، وإلى الإدمان وتطور نقاشات جديدة حول السماح قانونيًا بتعاطي مخدّرات أخطر من هذا المخدّر.
يدعي المؤيدون لتسويغ تعاطي هذا المخدّر أنه في دول (مثل بعض الولايات في الولايات المتحدة التي سمحت بتعاطي المخدّر قانونيًا لوحظ تراجع بتعاطي المخدّر. يحصل المستهلكون ،الذين حصلوا على هذا المخدّر بطرق ملتوية ومن تجار مشكوك بهم، على منتج سيء لم تتم إضافة أي مستحضرات صحية له. يدعون أيضًا أن العلم أثبت بأن الماريجوانا تساعد على الأمراض المزمنة مثل الباركينسون ويخفف آلام مرضى السرطان. الكحول أيضًا والأدوية المضادّة للاكتئاب هي مخدّرات تسبب الإدمان ولا تزال الدول تعمل على تنظيم إطار قانوني لإتاحة استخدامها.
الماريجوانا – تاريخ تخويف
لم يكن القنب الهندي دائمًا ممنوعًا، حتى أنه في الماضي استخدم في احتياجات كثيرة. تم استخدام تلك النبتة في مجال صناعة الحبال والصيد وحتى أنها كانت تستخدم كشراب مخفف للسعال عند الأطفال. لاحقًا، صُنع من نبتة القنب قماش الكتان الذي طُبع عليه أول علم للولايات المتحدة وقبل ذلك أيضًا استخدم قماش الكتان لصناعة أشرعة سفن كولومبوس تلك السفن التي أبحرت لاكتشاف القارة الجديدة، قارة أمريكا.
إذاً، كيف تحوّل استخدام النبتة من استخدام شائع إلى استخدام معيب؟ الإجابة نجدها لدى رائد الصحافة الصفراء في أمريكا، وليام راندولف هارست، الذي كانت لديه، بالصدفة أيضًا، مصانع تصنيع الورق المصنوع من الشجر وقماش الكتان، الأمر الذي عرّض أعماله للخطر.
استغل هارست الصحافة التي كان يسيطر عليها، عرض القنب الهندي باسمه الجديد “ماريجوانا”، وهو مخدّر خطير جلبه المكسيكيون المهاجرين ونجح بجذب شركات الأدوية إلى هذا الأمر أيضًا وشركات التبغ والكحول التي هددتها هذه المادة أيضًا. منذ ذلك الحين تم إخراج الماريجوانا من إطار القانون وتم منع استخدامه.
عادت الماريجوانا ثانية لتحتل العناوين
تغيّرت النظرة إلى الماريجوانا في الفترة الأخيرة وتحديدًا على خلفية تعاطي المخدّر من قبل المرضى المحتضرين، وخاصة عندما أدركت المؤسسة القانونية أن الحرب ضدّ هذه النبتة لم تأت بأي نتيجة. يزداد عدد الأشخاص الذين يزرعونها أكثر فأكثر، يتعاطونها ويقارنون بينها وبين الكحول والسجائر التي لا جدال عليها.
وفق منظمة الصحة العالمية يموت إنسان واحد كل 10 ثوان نتيجة احتساء الكحول والسجائر وعلى سبيل المثال هناك نحو 10000 إسرائيلي يموتون كل عام نتيجة هاتين المادتين وهي نسبة لا يؤدي إليها تعاطي القنب. تدرك هذا الكلام ولايات أخرى أيضًا في الولايات المتحدة حيث تسمح باستخدام القنب الهندي (بانجو) كمادة مسموحة قانونيًا في واشنطن وكولورادو و 40 ولاية أُخرى تفحص هذه المسألة.
تضع شركات الأدوية عراقيل أمام السماح قانونيًا بتعاطي المخدّر
أجرى الكثير من الباحثين في السنوات الأخيرة أبحاثًا على المادتين الفعالتين في القنب، CBD، و THC. وجد الباحث الإسرائيلي البروفيسور رفائيل مشولام من الجامعة العبرية في القدس بأن هاتين المادتين تؤثران تحديدًا على منطقة معيّنة في الدماغ والمسماة، في الطب، جهاز الاندوكانابينويد. الجهاز الذي إذا وفرنا له هاتين المادتين الفعالتين فإنه يوفر الحماية للجسم من الأمراض. اكتشف مشولام بأن المادتين الفعالتين في القنب يمكنها أن تقي الأطفال المصابين بالسرطان من التقيؤ بسبب العلاج الكيميائي.
وتقف خلف إخفاء هذا الاكتشاف منظومة قذرة ومصالح اقتصادية تقودها شركات الأدوية. بما أن القنب نبتة وليس ابتكارًا لشركة أدوية ليست هناك أية جهة مستعدة لتقديم الأموال اللازمة لتحويل هذه النبتة إلى دواء معترف به. في هذه الحالة، بينما يعمل الطب الغربي وفق أبحاث طبية مثبتة لا يعرف الطب المحافظ التقليدي كيف يتعامل مع القنب.
هل الماريجوانا مادة تؤدي للإدمان حقًا؟
يتحدثون في مراكز الفطام في إسرائيل عن عشرات الأبحاث التي تحوّل فيها تعاطي الماريجوانا إلى إدمان. يبدأ ذلك من تدخين سيجارة واحدة أو اثنتين في اليوم وبسرعة يتحوّل إلى تدخين كثيف يصل إلى عدة مرات في اليوم إلى أن يسيطر ذلك على الشخص ويدير له حياته. كذلك، يعترف المؤيدون المتحمسون للقنب بأن التعاطي الكثيف للمخدّر حتى سن 25 – قد يؤدي إلى إصابة خطيرة.
في كولارادو، بالمناسبة، التي فيها نظموا موضوع القنب قانونيًّا، تم الإبلاغ عن انخفاض في عدد الشبان الذين يتعاطون المخدّر. ذلك لم يعد أبدًا “سريًّا”.
القصص الفردية الخارجة من مراكز الفطام هي استثنائية في الواقع. القنب – لا يعتبر مادة تسبب الإدمان الجسدي، بل الإدمان النفسي. يشير بحث أُجري في جامعة كامبريدج في الولايات المتحدة إلى أن 9% فقط من أولئك الذين يتعاطون المخدّر بشكل دائم يعانون من ذلك الإدمان ذاته. هذا مقابل 32% من مدخني السجائر، و 15% من مستهلكي الكحول.
للتلخيص، رغم معارضة المؤسسة القانونية وغياب أي مصلحة لشركات الأدوية وطرق التخويف التي تنتهجها المؤسسة القانونية تحوّلت إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى دولة رائدة في العالم من ناحية الأبحاث وتطوير القنب. 50 مليون دولار هي حصيلة الأموال التي تجنيها هذه الصناعة التي تتقدم بخطوات كبيرة وتنجح بجعل أشخاص يبتسمون وتخفف آلام آخرين وتسهّل عليهم التعامل مع الأمراض. وليست هناك إجابة حاسمة حتى الآن – هل ستدعم إسرائيل بنهاية الأمر مسألة تسويغ استخدام هذا المخدّر قانونيًا؟