نفت السلطة الفلسطينية وعلى لسان نمر حماد، مستشار الرئيس الفلسطيني، الأنباء عن نية الرئيس، محمود عباس، ترك موقعه رئيسا للسلطة خلال الشهرين القادمين. النفي الفلسطيني، على الأقل في هذه المرحلة، هو صحيح: لا حديث عن قرار اتخذه الرئيس الفلسطيني بترك منصبه خلال الأسابيع القادمة. في السلطة يؤكدون أنه لم يتم إرسال رسائل لأي طرف دولي، عربي أو إسرائيلي بهذا الصدد.
لكن صحيح أيضا أن الرئيس الفلسطيني قد أعلن في أكثر من مناسبة أنه لن يبقى رئيسا للسلطة إلى الأبد، وأنه يريد أن يرتاح. وصحيح أيضا أن في أروقة السلطة ولدى النخب الفلسطينية يتم تداول موضوع خلافة الرئيس وسيناريوهات ما بعد الرئيس، وتطرقنا هنا إلى بورصة الأسماء المرشحة لخلافة الرئيس الفلسطيني.
لكن موضوع ترك “أبو مازن” موقعه، رغم أنه يبدو أمرا شخصيا، متعلق بأمور عديدة ويجب أن يأتي في إطار مشاورات سيجريها الرئيس ليس فقط مع محيطه الشخصي من مستشارين وأفراد أسرته، إنما سيكون جزءا من مشاورات أوسع قد تطال أطرافا في المجتمع الدولي مثل: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول وقيادات عربية لما قد يترتب من تداعيات في حال أعلن الرئيس عن ترجمة رغبته إلى خطوة فعلية.
ويرى مسؤول فلسطيني أن تكرار الأنباء والتقارير الصحفية عن قرار “أبو مازن” بالتنحي يعكس أجواء عامة لكنه لا يعكس بأي حال من الأحوال جدولا زمنيا ولا أسماء بديلة. ويعتبر المسؤول الفلسطيني أن الأنباء عن ترك موقع مثل موقع رئيس السلطة خلال أسابيع هي غير جدية “لأنه لم يتم الاتفاق على آليات ملء الفراغ في كل من المنظمة والسلطة، وأن هذه الآليات يجب أن تأخذ بالحسبان اعتبارات داخلية واعتبارات إقليمية ودولية. كما ولا زالت أمام الرئيس مهام كثيرة يجب اتمامها مثل: بلورة موقف أو مبادرة دولية لتحريك العملية السياسية خاصة وأن الطرف الفرنسي يُبدي بعض التردد في مدى عزمه على طرح مبادرته في مجلس الأمن. كما وأن ملف الحكومة لم يُحسم في ظل تجدد التوتر مع حركة حماس”.
ليس سرا أن الرئيس الفلسطيني غير راض عن تجاوب المجتمع الدولي مع الحملة الفلسطينية لفرض جدول زمني واضح لعملية تفاوضية تنهي الاحتلال، وليس سرا أن الرئيس الفلسطيني يرى كيف تنجح حماس في اختراق جدار العزلة الذي فرض عليها في العامين الماضيين، مما يزيدها تعنتا في ملف المصالحة، وليس سرا أن الرئيس يعاني من بعض التراجع في علاقاته مع بعض الأطراف العربية والخليجية مثل الإمارات، وليس سرا أن الرئيس يرى أسماء وتحديدا اسم محمد دحلان يحظى بقبول أوسع داخل الشارع الفلسطيني وداخل الشارع الفتحاوي وعلى الصعيد العربي وحتى الدولي، لكن كل هذا لا يعني أن “ابو مازن” سيعلن غدا صباحا عن ترك موقعه.
كما ويرى ابو مازن كيف أن التقاء المصالح بين خصومه من ناحية، وبين خصومه وبعض أصدقائه من ناحية اخرى، يُعقد الأمور من وجهة نظره، لكن بعض المصادر القريبة من الرئيس تؤكد أن تعثر هذه الأمور التي تزيد من حدة تعبه ورغبته في ترك الساحة، لم تدفعه بعد لاتخاذ قرار بترك موقعه لإدراكه مدى خطورة هذا الفراغ بالنسبة للشارع الفلسطيني. لكن المصادر تؤكد “أن هذا لا يعني أن الرئيس ومحيطه لا يُفكرون بالسيناريوهات والأسماء لخلافته وبالطريقة الأفضل للقيام بهذا التغيير”.
هنا نعود مجددا إلى بورصة الأسماء، مقربون من الرئيس يتحدثون عن ماجد فرج وعن صائب عريقات وحتى عن مروان البرغوثي. في الطرف الآخر يتم طرح اسم رئيسي واحد هو اسم محمد دحلان الذي أشارنا أنه أصبح، وبالنسبة للغالبية داخل حركة “فتح”، الاسم الأكثر قبولا. في هذا السياق يؤكد قيادي فتحاوي أن الغالبية الساحقة من أعضاء اللجنة المركزية لفتح يتواصلون بشكل شبه يومي مع دحلان وكذلك أعضاء في المجلس الثوري وكل ذلك رغم أنه، من الناحية الرسمية، لا يزال يُعتبر مفصولا من الحركة.
المثير بالنسبة للكثيرين هي لعبة التحالفات والتكتلات التي ستحصل بين قيادات فتح. فهنا نذكر كيف أن دحلان والبرغوثي، الذين ذكرا هنا كمنافسين محتملين على خلافة الرئيس، تحالفا في قائمة منافسة لقائمة فتح عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة، مما اضطُر الرئيس والحركة إلى قبول ملاحظاتهم على تركيبة القائمة وإعادة انخراطهما في قائمة الحركة.
نُذكر هذه الحادثة فقط لنقول أن أسماء كثيرة تُطرح، لكن الأهم هو مدى نجاح هذه الأسماء باستقطاب أوسع عدد من القطاعات حولها، وخاصة مدى نجاحها بتشكيل التحالف والتكتل الذي سيسهل عليها التحول إلى الاسم الأكثر قبولا والأوفر حظا، رغم ما يقوله مسؤول فتحاوي “إن فتح لن تتفق أبدا على شخص واحد وأن الخليفة سيعاني من نفس ما عانه أبو مازن من معسكرات وتيارات متناقضة داخل الحركة”.