العملية التي قُتل فيها أمس (الأربعاء) الضابط جدعان أسعد هي العملية الإرهابية الثالثة في المدينة خلال أسبوعين. منذ مقتل المراهق محمد أبو خضير من قبل إرهابيين يهود في شهر تموز، قُتل في القدس أربعة مواطنين إسرائيليين وستّة فلسطينيين (من بينهم أربعة إرهابيين من منفّذي العمليات الإرهابية الذي تم إطلاق النار عليهم حتى الموت من قبل قوات الأمن). لقد غيّر تسلسل الأحداث – الذي يجب أن يشمل أيضا سلسلة طويلة من المظاهرات العنيفة بالإضافة إلى إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على سيارات إسرائيلية – جذريًّا الحالة الأمنية في المدينة.
لا شكّ أنّه قلّل من الشعور بالأمن في الأحياء اليهودية خارج حدود 67 ومن المحتمل كذلك أن يؤثر، أكثر من ذلك، على قدوم الزوار الإسرائيليين والسياح من الخارج إلى شرقيّ المدينة. إنّ إعلان الأردن عن إعادة سفيره من تل أبيب للتشاور يدلّ على خطورة الأوضاع. رغم أنّ الأردن يتمتّع بالمساعدات الأمنية والاقتصادية من قبل إسرائيل على نطاق غير مسبوق، فإنّه يشعر أنّه مضطر للتعبير عن الاحتجاج العلني بحكم حساسية قضية القدس في العالم العربي.
قبل عام واحد بالضبط، في خريف 2013، حدثت سلسلة من العمليات الإرهابية ضدّ جنود ومستوطنين في الضفة الغربية. في العام الماضي أيضا تطوّر بعد ذلك نقاش مستمرّ حول السؤال ما إذا كانت تختمر في المنطقة بالفعل انتفاضة ثالثة، ولكن التوتّر انخفض بطريقة ما حتى بداية العام الحالي.
التصعيد الحالي يبدو أكثر جدّية. قبل عام أيضا كانت تلك سلسلة من الهجمات الإرهابية لـ “ذئاب وحيدة”، إرهابيين تصرّفوا من تلقاء أنفسهم، غالبًا دون انتماء تنظيمي ودون سلسلة قيادية منظّمة تقف خلفهم. التغيير المحسوس في الأشهر الأخيرة هو أنّه إلى جانب هذه الأعمال الفردية، ظهرت أيضا احتجاجات جماعية. تقوم في شرقي المدينة كلّ أسبوع مواجهات مستعرة بين متظاهرين فلسطينيين وبين الشرطة، في مواقع مختلفة وبمشاركة عدد كبير من الشباب. العنصر الديني هذه المرة مهم جدّا، وخصوصا بسبب المخاوف الفلسطينية أنّ إسرائيل تحاول تغيير الحالة الراهنة للحرم القدسي الشريف من طرف واحد. كانت محاولة اغتيال يهودا غليك في الأسبوع الماضي هي ذروة سلسلة الأحداث المرتبطة بالوضع في المسجد الأقصى.
في حادثة أمس، كانت الشرطة أيضًا هدفًا للهجوم (فقد هاجم الإرهابي إبراهيم العكاري عناصر شرطة يستقلّون سيارة جيب بواسطة قضيب حديدي، بعد أن دهس مجموعة من حرس الحدود والمارّة في محطّة القطار الخفيف) وكانت هي أيضًا من أوقف موجة القتل.
وكما هو الحال في الكثير من الأحداث الأخيرة، التي جرت في مناطق رئيسية موصولة بشبكة من الكاميرات، فقد تمّ توثيق هذا الحادث أيضا في الوقت الحقيقي. وكما هو الحال في العملية الإرهابية السابقة، فقد أطلق ضابط حرس الحدود النار حتى الموت على الإرهابي بعد أن أصيب وكان ملقى على الأرض. وطفت على السطح مجدّدا المزاعم بأنّه لم يكن هناك مبرّر لقتله في هذه المرحلة.
يبدو أنّ هناك ممارسة عملية غير مصرّح بها ولا مكتوبة، وتتمثّل بنوعين من الأحداث: قتل الإرهابي في ساحة العملية الإرهابية نفسها (مثل أمس) وقتل القتلة المسلّحين عند عمليات إلقاء القبض عليهم (هذا ما حصل مع من حاول اغتيال غليك قبل أسبوع وفي شهر أيلول في الخليل مع قتلة المراهقين المختطفين الثلاثة).
عناصر الشرطة يطلقون النار أولا ثم بعد ذلك يطرحون الأسئلة. يصعب تحقيق ومحاكمة التقدير الذي يحرّك الشرطي ومجال الخطر الذي هو مستعد أن يتحمّله عند التعامل مع إرهابي يخلّ بالأمن قرب المدنيين أو خلال غارة على منزل قاتل مسلّح، يصعب تحقيق ومحاكمة ذلك بعد وقوع الفعل، دون الشعور بالخطر في الميدان.
ولا يزال يبدو أنّ تصريح وزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرونوفيتش بأنّ كل عملية إرهابية ينبغي أن تنتهي بموت الإرهابي في ساحة العملية، لا داعي له. ليس أهرونوفيتش السياسي الأول الذي يصرّح بهذا الشكل في ظروف مشابهة. فهذا ما صرّح به أيضًا رئيس الحكومة حينذاك، إسحاق شامير، أثناء موجة عمليات الطعن الإرهابية في الانتفاضة الأولى.
صحيح أنّه من المهم أن يُسكّت عناصر القوى الأمنية بشكل سريع قدر الإمكان الإرهابي في ساحة العملية وأن يعملوا بشكل حاسم، دون الخوف من الملاحقة القانونية. ولكن دعوة علنية كهذه، دون وضع أية قيود، تشبه إعطاء تعليمات بالإعدام. هذه ثغرة لفوضى قانونية وأخلاقية، بل وحتى سياسية. من المفضّل إبقاء مناقشة ذلك لسلسلة قيادة الشرطة. ليس هناك أي سبب، باستثناء النظرة الجانبية للانتخابات التي ربما اقترب موعدها، بأن يصرّح وزير في الحكومة بهذا الشكل.
إنّ عملية أمس تدلّ على أنّ الطريق ما زالت طويلة لتهدئة النفوس في المدينة، رغم زيادة قوات الشرطة والتصريحات الحازمة لحكومة نتنياهو. لدى الفلسطينيين في القدس مجموعة متنوعة من الأسباب ليثوروا، ولن تؤدي بالضرورة اليد القوية التي تعلن إسرائيل عنها اليوم إلى قمع العنف بسرعة. كان الإرهابي أمس، كحال من حاول اغتيال غليك في الأسبوع الماضي، ناشطا في تنظيم إسلامي. ومع الأخذ بعين الاعتبار أنّ شقيق القاتل كان ناشطا في حماس، ومن محرّري صفقة شاليط الذين طُردوا إلى تركيا (يقيم هناك أيضا صلاح عروري، من قادة الذراع العسكري)، فيبدو أنها ليست بالضرورة عملية تقليدية لـ “ذئب وحيد”.
سارع وزراء الحكومة في ساعات ما بعد القتل – يعلون، ليبرمان، شتاينتس، بينيت وآخرون – إلى التنافس فيما بينهم على التصريحات القوية التي تتّهم رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن)، بمسؤولية العملية الإرهابية. في حين صعّد المسؤولون الفلسطينيّون من تصريحاتهم في الأسابيع الأخيرة فقد أرسل عباس نفسه رسالة تعزية إشكالية لأسرة من حاول اغتيال غليك.
ولكن من المفضل أيضا أن نذكر بأنّ السلطة، بأجهزة الأمن التي لديها، مستمرّة في إقامة التنسيق الأمني الوثيق مع الجيش الإسرائيلي والشاباك في الضفة الغربية وفي منع تفشٍّ مماثل للذي يحدث الآن في القدس. حتى لو بذلت حكومة نتنياهو كل الجهود الممكنة لتجنّب العملية السياسية مع الفلسطينيين، فهي لا تزال بحاجة إلى السلطة من أجل منع انزلاق المواجهات إلى جميع أراضي الضفة.
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع “هآرتس”