لا يتعلم اليوم ما معدله 2.7 مليون طفل سوري في أعمار المدارس من بين 5.7 مليون. منذ بداية الحرب الأهلية السورية لم يعد يعمل ربع المدارس في سوريا، وتراجع الحضور فيها إلى النصف. إنّ الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع أنحاء البلاد، ولا سيما في المناطق الخاضعة للثوار وداعش، يجعل الكثير من الأهالي لا يرسلون أطفالهم إلى المدارس بل يرسلونهم إلى العمل. ومع ذلك، فإن جميع الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية تستغلّ سيطرتها على أنظمة التعليم المحلية لغرس قيمها في أوساط الجيل القادم.
جميع الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية تستغلّ سيطرتها على أنظمة التعليم المحلية لغرس قيمها في أوساط الجيل القادم
ورغم كل شيء، فالعدد الأكبر من التلاميذ يتعلّم في المدارس الواقعة في المناطق الخاضعة لحكم النظام. يمجّد النظام التعليمي في سوريا أسرة الأسد وحزب البعث الحاكم ويعزّز هوية عربية-سنية موحّدة (رغم أن قيادة النظام مكوّنة كلها من أبناء الطائفة العلوية). ومع ذلك، فإنّ جودة التعليم في المدارس العامة قد تدهورت بشكل كبير خلال الحرب بسبب أزمة المعلمين: جُنّد الكثير منهم للخدمة في الجيش، وهرب آخرون كثيرون خوفا من التجنيد الإجباري.
في المناطق الخاضعة للثوار يواجه النظام التعليمي التحدّيات الأبرز، بسبب ظروف الحياة الصعبة هناك. يُهاجم سلاح الجو السوري، وكذلك الروسي اليوم، بشكل منهجي تحديدا المدارس الواقعة في مناطق الثوار، ولذلك لا يُرسل الأهالي أطفالهم إلى المدارس. لهذا السبب انتقل جزء من المدارس والروضات إلى أقبية تحت الأرض.
أدى القصف العشوائي، والتدمير الممنهج للمؤسسات الحيوية مثل المستشفيات، المخابز، الأسواق، والمؤسسات الحكومية، إلى هروب جماعي للسكان من مناطق الثوار. يميل المتعلّمون وأبناء الطبقة الوسطى، بما في ذلك المعلّمين، بشكل خاصّ إلى الهرب من البلاد، بالإضافة إلى أنّ النظام لا يدفع أجور المعلّمين في مناطق الثوار، ولذلك هناك صعوبة في تشغيلهم. عندما بدأ الثوار في السيطرة على مناطق في سوريا في أواخر عام 2011 ألغوا ساعات “التعليم الوطني”، وهي دروس التلقين خاصة بنظام البعث. لاحقا أجريتْ تغييرات في مناهج تعليمية أخرى في مجالات مثل التاريخ، الجغرافيا، الفلسفة، الأدب، والدين.
ووفقا لطبيعة السيطرة اللامركزية، أو الفوضوية إذا صح القول، فإنّ التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات الثوار العربية المختلفة، ليس موحّدا. تحت سيطرة المجموعات الإسلامية يعمل نظام تعليمي ديني، وقد ألغيتْ دروس “إشكالية” مثل الموسيقى أو الفلسفة. في مناطق أخرى تُطبق مناهج تعليمية تابعة للحكومة السورية المؤقتة (المنظمة العليا الأبرز للمعارضة السورية)، ذات محتويات مماثلة تقريبا لمحتويات نظام الأسد، ولكنها خالية من الدعاية.
في المناطق التي تسيطر عليها داعش قرر التنظيم محتوى تعليميا يرسّخ التفسير الأكثر تشددا لشرائع الإسلام وقيم الكفاح المسلّح ضدّ “الكفار”، بما في ذلك التدريبات العسكرية. تستثمر الدولة الإسلامية جهودا كبيرة في تلقين أطفال سوريا والعراق، وتعتبرهم مقاتليها المستقبليين.
طُلب من جميع المعلمين الذين يدرّسون في المناطق الخاضعة لداعش التعبير عن توبتهم عن كفرهم في الماضي والانتقال إلى تمرير دروس الشريعة. تلحق عقوبة شديدة بالمعلمين الذين ينحرفون عن المادة التعليمية المسموح بها. رفض الكثيرون القيام بذلك، لذلك تنازلوا عن مهنة التعليم الخاصة بهم. لا يرسل الكثير من الأهل أطفالهم إلى المدارس بسبب مقتهم للتلقين الديني أو خوفا من قصف المدارس. أدى النقص في المعلمين والتلاميذ إلى إغلاق الكثير من المدارس في أراضي الدولة الإسلامية. خلال السنة الدراسية الماضية (2014-2015) طُبعت كتب دراسية جديدة حُذفت منها مواضيع كفرية مثل الموسيقى، الفنون، الفلسفة، وبطبيعة الحال نظرية التطوّر، وانتقل التركيز إلى الدراسات الإسلامية. وخُفِضت أيضا الساعات التعليمية للمواضيع “الحلال” مثل العلوم والرياضيات.
إنّ التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات الثوار العربية المختلفة، ليس موحّدا. تحت سيطرة المجموعات الإسلامية يعمل نظام تعليمي ديني، وقد ألغيتْ دروس “إشكالية” مثل الموسيقى أو الفلسفة. في مناطق أخرى تُطبق مناهج تعليمية تابعة للحكومة السورية المؤقتة
يقع النظام التعليمي العام في المناطق الكردية تحت مسؤولية حزب الاتّحاد الديمقراطي المسيطر. استغل الجناح السوري للميليشيا الكرديّة في تركيا، حزب العمّال الكردستانيّ، الفرصة من أجل تغيير لغة التعليم إلى الكردية في الصفوف الأول حتى الثالث وإكساب التلاميذ رؤية أوجلان، زعيم حزب العمّال الكردستانيّ. أثار هذا التلقين احتجاجا في أوساط السكان وأدى إلى أن تُرسل عائلات معينة أطفالها إلى مدارس آشورية خاصة تم تغيير المنهاج التعليمي فيها.
ثمة آثار هائلة للنظم التعليمية المنقسمة في سوريا وغياب نحو نصف التلاميذ عن المدارس. حتى بعد أن تنتهي الحرب، يوما ما في المستقبل، ستجد السلطات السورية صعوبة في تشكيل نظام موحّد يربط بين السرديات والمناهج التعليمية المختلفة التي يتعرض لها الأطفال في البلاد اليوم. مضت خمس سنوات منذ اندلاع الحرب الأهلية، وتدهورت مكانة سوريا من دولة ذات نظام تعليمي يعمل بشكل نسبي وكانت معدلات الأمية معقولة فيها (نحو 84%) إلى مكانة دول من العالم الثالث. سيجد الجيل الضائع من ملايين الأطفال السوريين، داخل البلاد وخارجها، صعوبة كبيرة في سدّ الفجوات التعليمية.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي