ما الذي يدفع الأفراد لتنفيذ عملية؟ لأخذ سكين، ومحاولة قتل مَن يعتقدون أنه عدو؟. طيلة عشرات السنوات، يحاول باحثون، خبراء نفسيّون، خبراء جريمة، وخبراء إرهاب الإجابة عن هذه الأسئلة.
ففي حين أن الرأي القابع بين الجمهور أن الدافع هو أيديولوجي، حماسي وطني، ورغبة في الانتقام، يعتقد الباحثون أن هذه الدوافع وحدها ليست كافية. إذ هناك دائما دافع شخصي أيضا.
في موجة العمليات الأخيرة التي سادت في الضفة الغربية والقدس طُرِح الموضوع على جدول الأعمال ثانية. الميزة البارزة بشكل خاص لموجة العمليات، التي سُمّيت “انتفاضة الأفراد” أو “انتفاضة السكاكين”، هي حقيقة أن في غالبية الحالات، لم يكن تنظيم معيّن مسؤول عن الفلسطينيين منفذي العمليات، ولا خلية أيُّ كانت، بل عمل الفلسطينيون وحدهم، في معظم الحالات من دون تخطيط.
أظهرت التحقيقات في العمليات لاحقا أنه في معظم الحالات، يدور الحديث عن شبّان في ضائقة مادية أو نفسية على حد سواء. كانت الضائقة النفسية في جزء من الحالات ذات صلة بفضيحة جنسية أو محاولة للتكفير عن فضيحة وإنقاذ “شرف العائلة”.
شابة أصبحت حاملا خارج الزواج فخرجت لتنفيذ عملية
“عندما يرتكب الإنسان عملا متطرفا وانتحاريا إلى حد بعيد، يجب أن يكون هناك أكثر من سبب. في معظم الحالات، تُضاف ضائقة شخصية خطيرة إلى الأيديولوجية”، وفق أقوال باحثة أمريكية. في أكثر من مرة، تنبع الضائقة الشخصية من “الوصمة” الاجتماعية ذات الصلة بالجنس، سواء إذا كان الحديث يدور عن تحرش جنسيّ، علاقة حب خارج الزواج، أو حمل غير مخطط له.
في أيلول 2016، حاول شاب وشابة من قرية بني نعيم بالقرب من الخليل دهس جنود كانوا واقفين في محطة ركّاب محاولين قتلهم. اتضح في التحقيق بعد الحادثة أن عائلة الشابة عرفت بالعلاقة بين الشابة والشاب، لذلك خرج العشيقان لتنفيذ عملية استعادة لاحترامهما.
بعد مرور ثلاثة أشهر قبل ذلك، نفذت شابة قريبة من تلك الشابة عملية دهس في المفرق ذاته أيضا. بعد توقيفها اتضح أنها كانت حاملا خارج الزواج ورغبت في تطهير سمعتها من خلال قتل جنود إسرائيليين.
الموت باحترام
هذه ليست ظاهرة جديدة أبدا. في مستند رسمي نشره الشاباك حول مُشاركة النساء الفلسطينيات في الإرهاب أثناء انتفاضة الأقصى، كُتب بوضوح أن “الدافع الأساسي لمشاركة النساء في العمليات الإرهابية هو شخصي (إلى جانب السبب الأساسي – الدافع الوطني). مثلا، هناك دافع رومانسي – أي علاقات حب مع نشطاء عسكريين ذوي علاقة بتجنيدهن، إضافة إلى ضائقات شخصية”.
ورد في المستند ذاته حادثة ارتكبتها ريم عواد، التي فجرت نفسها في معبر بيت حانون (معبر إيرز) في كانون الثاني 2004، فقتلت أربعة أشخاص، وجرحت عشرة آخرين. عواد، مواطنة من غزة عمرها 23 عاما، كانت متزوجة من ناشط حمساوي وكان لديهما ولدان صغيران. في المقابل، كانت تربطها علاقة مع ناشط عسكري حمساوي كبير. هناك تقديرات في الشاباك أنه من الممكن أن الهدف من العملية كان تطهير سمعتها.
منذ ذلك الحين وثق الشاباك عشرات العمليات التي نفذها شبان فلسطينيون، لا سيّما شابّات فلسطينيات، ليطهروا اسمهم ويموتوا أبطالا محترمين. أشارت أبحاث أجريت في العالم إلى أن مجموعات إرهابية تتعرف إلى حالات كهذه وتعمل على تجنيد أشخاص بات احترامهم معرضا للخطر للالتحاق بصفوفها – سواء كانوا نساء تربطهن علاقة غرامية خارج الزواج أو رجال مثليين – مهددة بكشف سرهم، وتعرضهم للموت الشنيع. البديل الذي يقترحه الإرهابيون على هؤلاء الأشخاص هو الموت باحترام.
القمع والسيطرة: الاستغلال الجنسيّ يشكل محفزا للإرهاب
إن العلاقة بين الجنس والإرهاب في المجتمعات الإسلامية عميقة جدا. فهي تتطرق إلى اعتبارات هامة سائدة في المجتمع الإسلامي وفق أقوال الباحثين والخبراء النفسيّين. أولا، ترى الديانة الإسلامية نفسها ديانة مُسيّطرة، عليها أن تكون مسيّطرة وصاحبة نفوذ مقارنة بالأديان الأخرى. إن موضوع السيطرة مُهيّمن أيضا في الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية، والمفهوم القابع هو أن الرجل هو صاحب النفوذ والسيطرة مقارنة بالمرأة.
هذا إضافة إلى أن التحرشات الجنسية، لا سيّما أن الاستغلال الجنسي للبنات صغيرات السن والأولاد، ليس سائدا فحسب في أوساط المجتمع الإسلامي، بل يتم التستر عليه غالبا. يُعتبر الجنس من المحرّمات ومصدر “فضيحة”، ويخاف الأولاد والشبان من التحدث بانفتاح حول الموضوع. يُتوقع من الشبان ألا يعملوا على إشباع رغبتهم الجنسية قبل الزواج. إن الميول المثلية الجنسية ليست مقبولة في المجتمع الإسلامي، وتعتبر تكفيرا بالدين الإسلامي وانحرافا شائنا. تشكل كل هذه العادات أرضا خصبة لتطوّر الإرهاب والحروب: تحاول منظمات جهادية التستر على هذه الفضائح من خلال ضمان الاحترام.
يعرف الخبراء النفسيّون في يومنا هذا أن الأطفال الذين يتعرّضون لتجارب سلبية في سن مبكّرة ذات صلة بالجنس قد يشعرون بخجل وضعف عاطفي في سن المراهقة، لا سيّما إذا لم يكن في وسعهم التحدّث عن تجاربهم مع بالغ داعم. يعاني الأطفال الذين يمرون بتحرشات جنسية من ضائقة كل حياتهم.
يثير التحرش الجنسي لدى الفتيات غالبًا شعورا بالانحطاط وتقديرا نفسيا منخفضا إضافة إلى الخوف من ممارسة علاقات جنسيّة. قد تكون التأثيرات أكثر دمارا على الأمد الطويل لدى الشبان الذين تعرضوا لتحرشات جنسيّة. فهي قد تؤدي إلى غضب، شعور قوي بالخجل والإهانة، ورغبة قوية للانتقام من أشخاص ذوي مناصب قوة، وحاجة إلى إثبات السيطرة. إن العلاقة بالإرهاب واضحة: الهدف الواضح من الجهاد هو أن يحتل الإسلام مكانة مهيّمنة على الشعوب والطوائف الأخرى. تتيح التنظيمات الإرهابية للشبان استبدال مشاعر الإهانة بمشاعر الاستعلاء والسيطرة من خلال جعلهم مقاتلين “أبطالا”.
توق الحصول على 72 عذراء في الجنة
يتطرق الباحث المصري دكتور توفيق حميد في كتابه “الجهاد من الداخل : فهم الإسلام الراديكالي ومواجهته” إلى الطريقة التي يشكل فيها الإحباط الجنسي، إضافة إلى الحضارة الإسلامية التقليدية أرضا خصبة للإرهاب. كان دكتور توفيق جزءا من خلايا إرهابية نشطة طيلة سنة.
وفق أقواله، فإن التوقعات ألا يشبع الرجل المسلم غريزته الجنسية حتى الزواج، إضافة إلى حقيقة أن الزواج قد يُؤجل عند حدوث ضائقة مادية حتى سن 40 عاما، تثير إحباطا جنسيا غير منطقي، قلقا، وحتى غضبا مكبوتا. تستغل التنظيمات الإرهابية هذه النقاط مؤكدة للنشطاء حدوث لقاء قريب بـ 72 عذراء في الجنة، وتخلص فوري من الإحباط.
طرح الباحث الأمريكي ريتشارد دوكينس (Richard Dawkins) ادعاءات شبيهة بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة. وفق ادعائه، أحد الدوافع المركزية لدى خاطفي الطائرة الـ 19 هو عدم ممارستهم علاقات جنسية، وتوقهم القوي للالتقاء بـ 72 عذراء في الجنة. قال الصحفي كريستوفير هيتشنس (Christopher Hitchens) حول هذا الموضوع إن “المشكلة لدى الجهاديين لا تكمن في التوق إلى 72 عذراء، بل في كونهم لم يمارسوا علاقات جنسية بأنفسهم”.
في كانون الثاني 2016، كشفت الاستخبارات الأمريكية مستندا من بين مستندات أخرى عُثر عليها أثناء الهجوم على مخبأ أسامة بن لادن عام 2011. كان ذلك المستند رسالة من بن لادن إلى شيخ كبير في القاعدة شمال إفريقيا، كتب فيها أن المقاتلين الميدانيين الذين يقاتلون وقتا طويلا وغير قادرين على الزواج، يعانون من “توتر متطرف”، لذلك طلب منه أن يسمح لهم، من خلال فتوى، بممارسة الاستمناء للتخلص من التوتر. في الهجوم ذاته على منزل بن لادن، عُثر على مجلات إباحية، ومواد أخرى تشهد على أن بن لادن اهتم كثيرا بموضوع الاستمناء. يبدو أن من كان يُعتبر أحد الجهاديين الكبار في العالم في القرن الواحد والعشرين، قد فهم العلاقة بين الجنس والجهاد.