حظي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أخيرًا باللقب المناسب له. بدأت قناة الجزيرة باستخدام صفة “سيادة الرئيس” بدل الألقاب، غير الجيدة، التي كانت تُطلقها عليه إلى ما قبل المصالحة بين مصر وقطر. إن كان هناك من يبحث عن دليل لتحوّل مجرى العلاقات بين هاتين الدولتين، يمكنه أن يجدها من خلال العلاقة بين الجزيرة، المملوكة من قبل العائلة القطرية المالكة، وبين النظام المصري – وكأن القناة الفضائية وافقت على توقيع ” معاهدة سلام” مع مصر.
قبل أسبوع – بعد يومين من اللقاء الذي جمع مبعوث حاكم قطر، تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس السيسي – حصل “سلام الجزيرة” على مصادقة استثنائية. أعلنت القناة عن إغلاق قناة “الجزيرة مباشر مصر” ، حتى توفُر الشروط المناسبة لفتحها من جديد”. تم افتتاح “الجزيرة مباشر مصر” عام 2011 لنقل وقائع الثورة في مصر، إلا أنه في مدة قصيرة جدًا اتضح بأن الهدف منها كان دعم الحملة الانتخابية للإخوان المُسلمين للبرلمان والرئاسة. نجحت القناة، بوجود هذه الأجندة، من إغضاب، ليس فقط الحركات الليبرالية بل أيضًا الجيش رأى بها مصدر إزعاج يجب إسكاته.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُعتبر فيها الجزيرة جهة عدوة بالنسبة للمصريين. حين زار حسني مبارك، عام 1999، مقر القناة في عاصمة قطر عبّر عن ذهوله قائلاً: “كل هذه الضجة تخرج من علبة الكبريت هذه”. تلك “الضجة” تتضمن عرض مقاطع فيديو خلال أيام، ويظهر فيها فلسطينيون وهم يُحرقون الأعلام المصرية في الانتفاضة الثانية، كاحتجاج على مصر في عملية “الجرف الصامد”، لأنها لم تسمح للفلسطينيين بالهروب إلى أراضيها، كذلك إعطاء غطاء للإخوان المسلمين ومهاجمة السيسي عندما أطاح بمحمد مرسي.
تسبب السيسي باعتقال مراسلين للقناة، ثلاثة منهم، من بينهم صحفي أسترالي، حُكم عليهم بالحبس لمدة طويلة بتهمة التحريض ونشر “معلومات كاذبة عن مصر”. إن تم اعتبار قطر دولة عدوة بعد أن وضعت مليارات الدولارات في البنوك المصرية لمساعدة نظام مُرسي بالحصول على قروض دولية مُنظمة – تم اعتبار الجزيرة بمثابة جيش الخلاص للعدو. ذكّرت التقارير اللاذعة التي نشرتها الصحف المصرية ضد القناة بتلك المقالات التي نُشرت ضد إسرائيل قبل توقيع السلام مع مصر. لكن الجزيرة ومالكيها لم يتوقفوا عن مهاجمة النظام المصري وتحديدًا السيسي. كانت قناة الجزيرة هي المحطة الوحيدة التي يمكن من خلالها متابعة مظاهرات الإخوان المسلمين. تبنت بقية القنوات المصرية التوجه الحكومي الرسمي، الذي نعت التنظيم بأنه تنظيم إرهابي.
https://www.youtube.com/watch?v=FcEBuruBcd8
ليست مصر هي الوحيدة التي استطاعت الجزيرة أن تُغضبها منذ تأسيسها عام 1996. تم تقديم أكثر من 450 شكوى دبلوماسية لحكومة قطر، وتحديدًا من قبل دول عربية، من بين التهم هو أنها تخطت القانون غير المنصوص عليه وهو عدم إمكانية انتقاد ومهاجمة القادة العرب. وكانت برامج القناة هي واحدة من أسباب الجفاء بالعلاقات الذي حدث في شهر آذار الماضي بين دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر. ربما لم تُنشر بنود اتفاقية التصالح بين السعودية، الإمارات العربية المتحدة والبحرين وبين قطر ،التي تم توقيعها الشهر الماضي، بشكل كامل إلا أنه وفق التسريبات التي وصلت من الرياض، وافقت قطر على أن تُعدّل قناة الجزيرة أسلوب تغطيتها للأحداث كجزء من موافقة قطر على التوقف عن “التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية”. لاحقا، بادرت السعودية إلى الدفع نحو تصالح مصر وقطر، وأهم بند شددت عليه مصر هو تغيير أسلوب الجزيرة بتغطية الأحداث.
هكذا جاء قرار القناة الأم بإغلاق القناة التي تبث مباشرة من مصر. وليس صدفة أبدًا أن الصحيفة المصرية “اليوم السابع” توقفت عن التحدث عن الانتقادات التي توجهها الجزيرة ضد مصر التي تم تخصيص زاوية لها تحت عنوان “الجزيرة ميتر” والتي كانت تسلط فيها الصحيفة الضوء على التصريحات التي ترد من خلال القناة وكانت ذات طابع تحريضي ضد مصر.
إغلاق هذه القناة، بالنسبة للإخوان المسلمين، هي بمثابة ضربة إعلامية قاسية، حيث أن وجود هذه القناة كان يدعم ويعزز قوة ناشطي الحركة بأن يستمروا بالقيام بالمظاهرات التي كانت تتم تغطيتها على مستوى واسع. إلا أن المنصة الإعلامية، المتمثلة بالجزيرة، التي فقدها الإخوان المسلمون ستُستبدل بقنوات تلفزيونية تركية، منها قناة “رابعة” (على اسم الميدان الذي استخدمه الإخوان المسلمون مقرًا لاعتصاماتهم) والتي بدأت ببث برنامج يومي تحت عنوان “الجزيرة مباشر مصر”، على اسم القناة القطرية. ستسمح تركيا، التي أصبحت منذ سقوط نظام الإخوان المسلمين والإعلان عن أن التنظيم هو تنظيم إرهابي، ملاذًا لناشطي الحركة، بإقامة قناة إضافية من قبل الإخوان.
الآن بقي علينا الانتظار لنرى إن كان إغلاق القناة سيُشكل نهاية للعداوة الكبيرة بين الدولتين. من الواضح أن الجزيرة تلقت ضربة قوية مسّت بشكل كبير بالأيديولوجيا الصحفية التي تُرافقها منذ تأسيسها والمتمثلة بشعار “الرأي والرأي الآخر”. وجدت القناة التي بدأت ثورة إعلامية في الشرق الأوسط نفسها فجأة تُنفذ إملاءات سعودية ومصرية، بعد أن حظيت طوال عشرات السنين بصفة القناة المستقلة، المهنية التي لا تخضع لإملاءات خارجية.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس