ما اعتيد على تسميته “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني” كان خلال السنين صراعا ثلاثيا، لم يُشرك الفلسطينيين فقط، بل أيضًا العالم العربي والإسلامي. كان العداء لإسرائيل عاملا موحِّدا، تغلّب العالم العربي والإسلامي بواسطته على الخلافات التي كانت موجودة داخله حول موضوعات أخرى.
منذ إقامة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 كانت القضية الفلسطينية المحور المركزي الذي تبلور حوله العداء لإسرائيل وتم الحفاظ على الوحدة. وقفت إسرائيل أمام خطر وجودي ثلاث مرات: عام 1948، 1967 و 1973، بسبب الهجمات المشتركة للجيوش العربية، والتي حظيت بدعم العالم الإسلامي كله. ورغم أنّ انتصار الجيش الإسرائيلي المجيد في حرب تشرين قد ردع الجيوش العربية عن محاولة الهجوم مجدّدا، ولكن تأييد العمليات الإرهابية ضدّها ودعم القرارات المعادية لإسرائيل في المنتديات الدولية تثبت أنّ العداء لإسرائيل لا يزال قائما في العالم العربي والإسلامي.
ومع ذلك، بدأت الريح تغيّر اتجاهها مؤخرا، على الأقل في كل ما يتعلق بالعالم العربي، والذي يقف بعض حكّامه في السنوات الأخيرة أمام أعداء أكبر من إسرائيل. إيران، التي تطمح للحصول على السلاح النووي، القاعدة، داعش، حماس والتنظيمات الإرهابية العربية، التي تسعى إلى القضاء على الطبقات الحاكمة في السعودية، الأردن ومصر.
يشكّل جميع هؤلاء خطرا على وجود هذه الدول، في حين أنّ إسرائيل لم تفعل ذلك أبدا. إنّ وقف هذا الخطر مهمّ في نظرها أكثر من دعم الفلسطينيين. استنادا إلى وجهة النظر الجديدة هذه، فقد بدأت إسرائيل بالنظر إلى هؤلاء الحكام العرب ليس كأعداء، وإنما كحلفاء محتملين.
إنّ القنبلة النووية الإيرانية تخيفهم حتى الموت. أملهم في البقاء على قيد الحياة في الشرق الأوسط الواقع تحت نفوذ إيران التي تمتلك سلاحا نوويا صغير جدّا. الطبقات الحاكمة في السعودية هي الأكثر تهديدا، وبالطبع ستكون أول من يتم الإطاحة بها إذا تزايد النفوذ الإيراني. وجّهت المعارضة في إسرائيل انتقادات لبنيامين نتنياهو عندما ألقى خطابا في الكونغرس ضدّ الاتفاق مع إيران، ولكن لا شكّ بأنّ السعوديين قد وقفوا معه سرّا.
تطرقُ عصابات داعش أبواب الأردن من الشمال. ليس من الصعب أن نخمّن رأس من سيتم قطعه أولا إذا نجحوا في الوصول إلى عمان
وفي الوقت نفسه تطرقُ عصابات داعش أبواب الأردن من الشمال. ليس من الصعب أن نخمّن رأس من سيتم قطعه أولا إذا نجحوا في الوصول إلى عمان. هل سيكون عجيبا أن يعلّق عبد الله الثاني ثقته بالقدس، التي ستأتي لمساعدته إذا حدث ما هو أسوأ من كل شيء؟ ورغم أنّ عبد الله كرّر إعرابه عن دعم إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، فهم يعلم جيّدا أنّه بعد أن تُقام سيكون ذلك مسألة وقت فقط بأن تسقط بيد داعش أو حماس، وسيكتشف حينها بأنّ العدوّ يطرق أبوابه من الغرب أيضًا. ولذلك نفترض أنّه لا يرغب حقّا بإقامة دولة فلسطينية على حدوده الغربية.
في نظر الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، يبدو أنّ الطموح في قتال التنظيمات الإسلامية وإرهابها يسبق حتى دعمه للنضال الفلسطيني. إنّ موافقة إسرائيل على دخول الجيش المصري إلى سيناء – بخلاف اتفاق السلام الإسرائيلي المصري – تدلّ على المصالح المشتركة لكلا البلدين.
نظر الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، يبدو أنّ الطموح في قتال التنظيمات الإسلامية وإرهابها يسبق حتى دعمه للنضال الفلسطيني
تعيش الجبهة المعادية لإسرائيل والتي انتصبت دون تغيير على مدى أكثر من 60 عاما، اليوم عملية تفكّك. ويكشف حكام الدول العربيّة المهمة أنّ لديهم مع إسرائيل مصالح مشتركة. إنّ فكرة إقامة الدولة الفلسطينية قد تستمر في الحصول على الدعم في واشنطن، بروكسل، الأمم المتحدة وفي أوساط المعارضة في إسرائيل، ولكنها تفقد التأييد في جزء كبير من العالم العربي. لدى إسرائيل هناك أعداء في الشرق الأوسط، ولكنها تكسب الأصدقاء أيضًا. ربما سيُفضّل هؤلاء الالتقاء مع زملائهم الإسرائيليين في أزقة خلفية، ولكن سيكونوا قريبين وعلى ثقة بأنّ مثل هذه اللقاءات تجري بوتيرة متزايدة.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”