انتهى شهر كانون الثاني بأخبار جيّدة، والتي بحسبها فإنّه بعد أشهر طويلة من المعارك، أصبحت مدينة عين العرب الكردية السورية نقيّة من بقايا قوات الدولة الإسلامية (داعش) واحتفل الأكراد بهذا الانتصار المهمّ. ولكن بعد عدّة أسابيع من تحريرها، لم تخل المدينة الصغيرة من المخاطر التي أنشأتها داعش. رغم أنّ القوات الكردية نجحت في طرد داعش من الأراضي، إلا أنّ الخطر الكامن في بقايا المواد المتفجّرة التي تُركت في المدينة لا يزال قائما. هذه المخاطر، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي نشأ خلال أربعة أشهر من الحصار، تُظهر أنّ هناك طريقا طويلا لا يزال أمام سكان عين العرب أن يمرّوا بها قبل أن يستطيعوا العودة إلى مسار حياتهم.
وفقا لموقع “يور ميدل إيست”، فقد دُمر نحو 80% من أراضي المدينة ولم تُعد صالحة للسكن في هذه المرحلة. تم تدمير نحو 3,200 مبنى في المدينة أو تضرّرت من المعارك. ومن المفترض أن ترسل الأمم المتحدة مساعدات إنسانية إضافية وخبراء في المتفجّرات من أجل التمكّن من إعادة إعمار المدينة. ولكن من المتوقع أن تصعّب تركيا إرسال مثل هذه المساعدات حيث إنّها لا تعترف بالتنظيم الكردي الذي يسيطر على كوباني لأنّه يتماهى مع حركة سرّية كردية أعلنت في الماضي أنّها في حرب ضدّ السلطات في أنقرة.
كان دور تركيا في الصراع السوري معقّدا دائما وفي بعض الأحيان ناقض نفسه. اتُّهمت تركيا بتوفير الأسلحة والمساعدات للجهاديين المتطرّفين، حتى أنّ بعضهم من الدولة الإسلامية، من أجل أن يقاتلوا قوات بشّار الأسد في سوريا. ورغم أنّ تركيا قد وفّرت غطاء لعشرات الآلاف من سكان عين العرب، التي تقع خلف الحدود في سوريا تماما، بل وسمحت لقوات البيشمركة العراقية بتوفير المساعدات للأكراد في كوباني عبر أراضيها، إلا أن الحكومة التركية مستمرة في اتخاذ موقف عدائي تجاه التنظيم الكردي الذي يسيطر على المدينة. اتّهمت جهات كردية أكثر من مرة تركيا بكونها تصعّب على القوات الكردية في أن تجتاز الحدود وتساهم في الحرب في سوريا ضدّ الدولة الإسلامية، في الوقت الذي تُسّهل فيه على الإسلاميين مثل هذا الاجتياز.
ومن حسن حظّ الأكراد في عين العرب، فإنّ الولايات المتحدة ترى بمدينتهم محورا استراتيجيا رئيسيا في الحرب ضدّ الدولة الإسلامية. وقد أثنى بعض المسؤولين الغربيين على المقاتلين الأكراد لشجاعتهم ورفضهم الخضوع لحصار داعش للمدينة.
الخطر الأمني لم يزل
في الوقت الراهن، لا يزال معظم سكان عين العرب عالقين في مخيّمات اللاجئين في تركيا وليس هناك جدول أعمال واضح لعودتهم. حتى الآن، هناك 15,000 لاجئ فقط عادوا إلى المدينة المدمّرة. معظمهم من أبناء أسر المقاتلين الأكراد الذين دافعوا عن المدينة، بالإضافة إلى أشخاص اكتشفوا أنّ منازلهم لم تُدمّر في المعارك. ومع ذلك، فعلى الرغم من عودتهم، فإنّ التكيّف من جديد مع الحياة في عين العرب هو مستحيل تقريبًا. هناك نقص في الماء، الطعام، الأدوية والأطبّاء، وأيضًا لا يزال الخطر الأمني قائما.
لا يكمن الخطر في هجمة محتملة من قبل داعش. فإنّ المدينة والقرى التي تحيطها لا تزال مليئة بالقنابل، الذخائر والقذائف التي لم تنفجر بعد، بالإضافة إلى الأفخاخ القاتلة المصمّمة والتي وضعها عناصر داعش في منازل المواطنين. تجد القوات الكردية المحلّية صعوبة في تطهير المدينة والقرى من تلك القنابل بسبب نقص الخبرات أو المواد اللازمة لذلك.
في الأيام الأخيرة فقط قُتل نحو عشرة مواطنين من تلك القنابل. على سبيل المثال، قُتلت عائلتان حاولتا الدخول إلى منازلهما نتيجة المواد المتفجّرة التي تُركتْ عمدًا من قبل داعش قبل عدّة أسابيع. ويثني الأكراد في سوريا على الهجمات الجوّية الأمريكية ضدّ داعش، والتي ساعدتهم في إعادة السيطرة على المدينة، ولكنهم يدعون الآن أيضًا لمساعدات إنسانية ومهنية.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع ميدل نيوز