الشيخ يوسف القرضاوي الذي يبلغ من العمر 87 عامًا، يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يُعتبر مصدر السطلة الدينية لمئات الملايين من المسلمين حول العالم. لديه العشرات من الكتب المنشورة حول العالم بكل اللغات، ويتم بث خطبه وفتاويه على قناة الجزيرة ببث مباشر. ولم نتحدث بعد عن شبكة مواقع الإنترنت الخاصة به. باحثة إسرائيل، د. نسيا شيمر محاضرة في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان في إسرائيل، تعرض لنا لمحة عن تفكير الشيخ الأكثر تأثيرًا وكذلك لمحة عن تفكير مئات ملايين المسلمين في أرجاء العالم.
حسب ادعاءات د. شيمر، فإن آراء الشيخ حول اليهود وحول مدينة إسرائيل ليست متسامحة على أقل تقدير. يُعتبر الشيخ من كبار كارهي دولة إسرائيل في العالم الإسلامي السني. فهو ينظر إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على أنه صراع سياسي، وأن اليهود قد احتلوا أرضًا إسلامية، ولكن الأمر لا يقتصر على السياسة فقط. “حسب رأيه، فإن للصراع جذور عميقة، تصل حد العلاقات المعقّدة بين سيدنا إبراهيم وزوجتيه هاجر وسارة” كما كتبت.
كما نعلم، فقد كانت سارة عاقرًا وعندما سئمت من قضية الإنجاب، قدمت جاريتها هاجر لسيدنا إبراهيم والتي أنجبت له إسماعيل. وعندما بلغ إسماعيل 13 عامًا وُلد إسحاق وعندها أمرت سارة سيدنا إبراهيم بطرد هاجر وإسماعيل. وفق النسخة الإسلامية للقصة، سافر إسماعيل وهاجر عبر الصحراء وصولًا إلى مكة المكرمة. وذهب سيدنا إبراهيم الذي اشتاق لابنه لزيارته، وفي إحدى زياراته بنى وإياه الكعبة المشرفة في مكة كبيت الصلاة لله الواحد الأحد. كان سيدنا إبراهيم الموحّد الأول وانحدر العرب من ابنه إسماعيل.
شخصية سيدنا إبراهيم ووعد الله له: “لنسلك أعطيتُ هذه الأرض”، إلهامًا للادعاءات اللاهوتية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. شكل الحق بأرض إسرائيل الذي مُنح لبني إسرائيل في التوراة حجة أساسية للحركة الصهيونية. على سبيل المثال، حين سُئل بن غوريون في لجنة بيل، لماذا يدعي الملكية على أرض إسرائيل، ويطالب بنزع الملكية من السكان العرب، وهو قد وُلد في بولندا، أجاب: “التوراة هي مرجعنا. أرض إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي”.
تدعي الباحثة أن التوراة قد ذكرت ثلاثة أماكن في أرض إسرائيل القديمة (التوراتية) والتي اشتُريت بالمال من اليهود. الأماكن الثلاثة هي: الحرم الإبراهيمي، والذي اشتراه سيدنا إبراهيم، المعبد المقدس الذي اشتراه سيدنا داود وقبر يوسف الذي اشتراه سيدنا يعقوب. يكشف الشيخ القرضاوي معرفته في الكثير من التفسيرات المجردة الموجودة في التوراة، ومعرفته بالمدراش، ويدعي بخصوص قصة شراء الحرم الإبراهيمي، أن عملية الشراء تثبت عدم وجود ملكية على الأرض لسيدنا إبراهيم. بما أن الله وعد سيدنا إبراهيم بكل الأرض، ورأينا أنه حينما ماتت سارة لم يجد لها قبرًا لدفنها. لذلك اضطر سيدنا إبراهيم إلى شراء قبر لها. “هل هنالك أي شخص يشتري ممتلكاته؟” يسأل الشيخ ويجيب: “لا يشتري الإنسان ممتلكاته وهذا يُثبت أن إبراهيم لم يكن يملك شبرًا واحدًا من الأرض. كذلك أبناؤه إسحاق ويعقوب لم يكونا مالكي الأرض، وحتى أن يعقوب وكل عائلته تركوها وذهبوا إلى مصر”.
يستمر الشيخ بالمماحكة: “أنتم اليهود، تزعمون أن الأرض ملككم لكونكم من سلالة إسحاق، ولكن هل نسيتم أن هناك ابنين لإبراهيم؟ وأن ابنه البكر هو إسماعيل تحديدًا؟ بأي حق حرمتم إسماعيل من حقه في الورثة؟ نعم أنتم تحبون القول إن إسحاق هو ابن سارة، الحديدية وأن إسماعيل هو ابن هاجر، الجارية. فإذا كان يتم التمييز ضد أبناء الجواري، أود تذكيركم بأنه كان ليعقوب أربع زوجات: راحيل وليا السيدات، واللاتي قدمتا جواريهما، بيلها وزيلفا، ليعقوب لتلدا له المزيد من البنين. وبالتالي، فإن نصف شعب إسرائيل هم أبناء جواري، وبالرغم من ذلك فهم يشكلون جزءًا لا يتجزأ من شعب إسرائيل ولا يتم التمييز ضدهم. لا يمكنكم أن تنكروا ذلك”.
تشير الباحثة إلى أن هناك في المجتمع الإسرائيلي الحالي، ما بعد اليهودية، ادعاءات كهذه تبدو غريبة. ولكن من المثير للاهتمام أن نرى أن بالنسبة لجيراننا، خاصة بعد الربيع العربي، هذه الادعاءات هي قلب الصراع”.