تم بذل مئات الساعات من عمل المحامين، الدبلوماسيين والضباط في 270 صفحة من التقرير الإسرائيلي حول عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة.
كانت النتيجة وثيقة شاملة، مفصلة، معلّلة ومصاغة بمبررات منطقية. إنه حلم كل محام. ورغم ذلك، فإن فعالية التقرير مشكوك فيها. ليس مبالغًا القول إنّ تأثيره على مكانة إسرائيل الدولية، وضعها القانوني والصورة العامة لها سيكون أكثر بقليل من إجراء النفخ في قربة مقطوعة.
رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة
تم نشر التقرير الإسرائيلي أمس (الأحد) من أجل الاستعداد للتقرير التابع للجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بخصوص الحرب في غزة والذي قد يُنشر اليوم. كان أحد الأهداف الرئيسية هو محاولة التأثير على طبيعة التغطية وعلى الرواية التي سيتم سردها في وسائل الإعلام الدولية في الأيام القريبة. ومن المشكوك فيه إذا كان سيتم تحقيق هذا الهدف.
كان في المؤتمر الصحفي في وزارة الخارجية والذي عُرض فيه ملخّص التقرير أمس حضور قليل جدا للصحفيين الإسرائيليين والأجانب. رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المحامين الثلاثة الذين تم اختيارهم ليكونوا “مقدّمي” التقرير وجدوا صعوبة في إثارة الاهتمام أو تغليف الوثيقة بعناوين ساحقة تكون رائدة في التغطية الإعلامية.
رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية
رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية. هكذا سيتم النظر إليه أيضًا من قبل القليلين الذين سيقرأونه من أوله حتى نهايته أو من قبل القليلين الذين سيقرأون الملخّص مع أهم الاستنتاجات. في العالم الذي نعيش فيه وفي عام 2015، وخصوصا في الدول الغربية، لم يعد ذلك كافيا.
إذا أرادت دولة إسرائيل الإقناع بعدالة القرارات التي اتخذتها والعمليات التي قامت بها في الصيف الماضي، كان عليها أن تُقيم لجنة تحقيق مستقلة وغير مرتبطة بها تشارك فيها أيضًا جهات دولية. هذا هو تماما ما جرى في لجنة تيركل التي حقّقت في أحداث أسطول الحرية التركي لغزة. كان للتقرير الذي أعدته لجنة تيركل دورًا حاسمًا في قرار لجنة التحقيق التابعة للأمين العام للأمم المتحدة حيث لم تنتهك إسرائيل القانون الدولي عندما سيطرت على سفينة “مرمرة”.
أحد الأسباب الرئيسية لكون التقرير ليس أكثر من ممارسة أكاديمية يكمن في حقيقة أنّ إسرائيل قد قررت مقاطعة لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كان جزء كبير من قرار عدم التعاون مع اللجنة عاطفيا ولكن كانت خلفية منطقية للجزء الآخر. فبعد كل شيء كان لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحيّز واضح ضدّ إسرائيل وتم وضع القانوني المعادي لإسرائيل، وليام شاباس، على رأس اللجنة.
ومع ذلك، أصبح قرار مقاطعة لجنة التحقيق أقل منطقية ومعقولية بعد أن استقال شاباس بشكل مخز بسبب التعارض الصارخ في المصالح، وتم تغييره بالقانونية الأمريكية ماري مكجوان ديفيس. وقد أصدرت الأخيرة، التي لديها مواقف معتدلة تجاه إسرائيل، قبل عدة سنوات تقريرا قررت فيه أنّ التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في أعقاب عملية “الرصاص المصبوب” قد استمرت لوقت طويل جدا، ولكنها جرت بشكل مناسب مع استثمار الكثير من الموارد من قبل إسرائيل.
إذا كانت إسرائيل قد قررت التراجع، والتعاون مع ماري مكجوان ديفيس حول أحداث عملية “الجرف الصامد” وعرض نتائج التقرير عليها، فهناك احتمال كبير أن يؤدي هذا الأمر إلى نتائج أفضل. إن حقيقة أن ذلك لم يحدث يثير الشكوك أنّ الحكومة الإسرائيلية قد قاطعت اللجنة فقط لكي تستطيع الادعاء في نهاية المطاف بأنّ الحديث عن زمرة من المعادين للسامية وأنّ العالم كله ضدّنا.
ولكن المشكلة الأصعب للتقرير الإسرائيلي الذي تم عرضه أمس هو أنّه يعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها سياسة الحكومة الإسرائيلية منذ أن دخل بنيامين نتنياهو إلى ديوان رئيس الحكومة عام 2009. يبدو أنّ نتنياهو ورجاله في السنوات الست الأخيرة يحاولون حلّ كل مشكلة سياسية تواجهها إسرائيل من خلال إيجاد الحجة المفبركة والناجحة التي ستقنع العالم كله أنّ إسرائيل صادقة. ولكن الطريق لتجنيد دعم العالم يكون أقوى بالأفعال مقارنة بالأقوال. إنّ مبادرة سياسية إسرائيلية لإعادة إعمار غزة مع المجتمع الدولي كانت ستعمل بشكل أفضل من أي تقرير.
نُشر هذا المقال على “صحيفة “هآرتس”