أثار المرشّح محمد الضبعاوي غضب رجال الدين في مصر لأنّ إعلان دعايته الانتخابية يتضمّن صورة القرآن. تحظر لجنة الانتخابات استخدام الرموز الدينية لأغراض الدعاية، ولكن ليس بإمكانها أن تحظر على المرشّحين أن يجعلوا من أنفسهم مكانا للسخرية، مثل إعلان الدعاية الانتخابية للمرشّح حمادة بقرة، الذي التقط صورة بنمط نابليوني حيث هناك بجانبه صورة تفاحة مع تخطيط القلب الكهربائي. ومثل الحملات الانتخابية السابقة، فالآن أيضا تزيّنت مصر بملصقات ملوّنة وشعارات أصيلة – وغريبة في بعض الأحيان – لآلاف المرشّحين الذين يتنافسون على 596 مقعدًا في البرلمان.
وقد بدأت اليوم (الأحد) أولى جولات الانتخابات البرلمانية، والتي ستستمر ليومين. وهذه هي الانتخابات الأولى للبرلمان منذ أن تم حلّ مجلس النوّاب بأمر من المحكمة في تموز عام 2012، وبعدها فستكفّ مصر عن أن تظلّ دولة دون برلمان. ولكن خلافا للانتخابات الأولى بعد الثورة والتي تمت في نهاية عام 2012 وأثارت لدى الشعب الأمل بالتغيير السياسي، فهذه المرة تجري الانتخابات في أجواء من اللامبالاة العميقة في أحسن الأحوال والإحباط العميق في أسوأ الأحوال. أعلنت الكثير من الحركات التي تجمع الشباب الذين شاركوا في الثورة بأنّها لن تشارك في الانتخابات، وقال مواطنون إنّهم لا يهتمون بالانتخابات، والتي من غير المتوقع أن تؤدي إلى إقامة سلطة تشريعية مستقلّة.
يمنح قانون الانتخابات في مصر المرشّحين المستقلّين 75% من المقاعد البرلمانية – و 20% للقوائم الحزبية (5% المتبقين يتم تعيينهم من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي). تم تصميم هذا الخليط من أجل منع معارضي الرئيس الأعضاء في قوائم صغيرة من الفوز بمقاعد، والتأكد من أنّه مؤيدي الرئيس الأعضاء في أحزاب كبيرة مثل المصريين الأحرار سيدخلون إلى البرلمان فقط. ويمكّن النصيب الأكبر المخصّص للمستقلّين النظام من مساعدة مؤيديه بشكل خاص وتقويض فرص خصومه. وتشير التقديرات إلى أن البرلمان الجديد سيكون مشابها دون مصادفة للبرلمانات التي كانت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. سيكون هيئة منتخَبة، خانعة ومطيعة ولا تضع العقبات أمام الرئيس. يستطيع السيسي حلّ البرلمان كما يشاء، كما ينصّ القانون، والذي تمت صياغته هو أيضًا بناء على رؤية رئيس البلاد.
يمكن للسيسي من جهته أن يدعي أنّ الانتخابات تُكمل خارطة الطريق التي رسمها عندما أمسك بالحكم في تموز عام 2013، بعد أن أسقط الرئيس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين. بحسب خارطة الطريق تلك، تمّت صياغة دستور جديد، اختير رئيس للدولة، والآن يتم أيضًا انتخاب برلمان. ولكن خارطة الطريق تلك، والتي تتضمّن بشكلٍ رسميّ مبادئ ديمقراطية، بعيدة من تحقيق أحلام من قاموا بالثورة عام 2011.
في فترة ولايته كزعيم نشر السيسي قوانين وأوامر تقيّد من حرية التعبير، تمنع المظاهرات، تفرض العقوبات الشديدة على الإعلاميين الذين لا يعملون بحسب توجيهات الشرطة، تمنح للقوى الأمنية مكانة خاصة في القانون وتسمح للنظام بمعاقبة المواطنين بحسب قانون الإرهاب الصارم. هناك شكّ إذا ما كان البرلمان الجديد قادرا أو راغبا بإعادة النظر في صلاحية القوانين. لم يكتف السيسي فقط ببنود قانون الانتخابات من أجل ضمان البرلمان كما يحبّ: فقد قام نظامه في الأشهر الأخيرة بحملات اعتقال ضدّ نشطاء الإخوان المسلمين وضدّ نشطاء الجمعيات والمنظمات المدنية، وقد “حظي” محرّرو الصحف بمكالمات هاتفية تضمّنت تحذيرات وتوجيهات واضحة بما يُسمح وبشكل أساسي بما يُحظر نشره، وقد أشار مدوّنون إلى تحرّشات من قبل بلطجية “مخرّبين”.
سيكون اختبار الانتخابات هو نسبة المشاركة فيها. في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية عام 2011 شارك نحو 59% من حاملي بطاقات التصويت. في الجولة الثانية، عام 2012، ارتفعت نسبتهم إلى 65%. في الانتخابات الرئاسية عام 2014 انخفضت نسبة المشاركين إلى 47.5%. إن المكانة التي ستحصل عليها الانتخابات الحالية في قائمة ثقة الجمهور ستُحدّد مدى شرعية البرلمان. ولكن كما أثبت مبارك والسيسي، يمكن لمصر أن تعمل، للأفضل أو للأسوأ، حتى دون برلمان أو مع برلمان كرتوني.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”