في الأيام القريبة، من المتوقع أن يزيد الإضراب المفتوح الذي شرع به أمس (الإثنين) نحو 1.200 أسير أمني مسجون في إسرائيل التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين. في حال ازداد الإضراب تعقيدا ودام طويلا، قد يسيطر على جدول الأعمال في المنظومة الأمنية والسياسية، بينما تنوي إدارة ترامب تحريك عملية السلام مجددا.
ولكن كما هو الحال مع أزمة توفير الكهرباء لقطاع غزة التي ازدادات مؤخرا، يبدو أن خلفية الإضراب تكمن في النزاعات في الحلبة الفلسطينية الداخلية، تماما كما هي مرتبطة بالنزاعات مع إسرائيل. بادر مروان البرغوثي، القيادي الفتحاوي البارز للسجناء في إسرائيل إلى الإضراب عن الطعام بشكل أساسيّ.
إن جذب انتباه وسائل الإعلام إلى الإضراب المستمر سيخدم البرغوثي في إجراءاته أمام قيادة السلطة الفلسطينية التي تدعم الإضراب رسميا ولكنها قلقة من النتائج التي تعزز مكانة القيادي السجين، غير المحبوب بشكل خاصّ لدى الرئيس محمود عباس وأتباعه. لقد حقق البرغوثي نجاحا أوليا أمس، عندما كتب من داخل السجن مقال رأي نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” (حذف محررو الصحيفة من المقال السبب وراء سجن البرغوثي: سُجِن وحُكِم على البرغوثي عام 2002 لأنه أرسل إرهابيين لتنفيذ عمليات قُتِل فيها خمسة مواطنين إسرائيليّين، في ذروة الانتفاضة الثانية. في وقت لاحق، في أعقاب موجة التعليقات القاسية في إسرائيل، أضافت الصحيفة توضيحا).
من المتوقع أن يزور عباس البيت الأبيض في مطلع الشهر القادم. في نهاية شهر أيار تصادف بداية شهر رمضان. وهما موعدان متوقعان لإنهاء الإضراب. في حال استمر الإضراب حتى هذان الموعدان، قد تطرأ أزمة خطيرة. كلما استمر الإضراب يتوقع حدوث تعقيدات: مكوث مضربين عن الطعام في المستشفى، معضلات حول إطعام قسري، وخطر موت الأسرى، قد يؤدي جميعها إلى تصعيد الأوضاع في الأراضي.
أعد البرغوثي مطالب مختلفة للأسرى – إلغاء الاعتقالات الإدارية، زيادة ساعات زيارة العائلات، استئناف التعليم الأكاديمي، مشاهدة المزيد من قنوات التلفزيون – كعامل مشترك واسع يمكن أن يوحد معظم الأسرى والمنظمات الفلسطينية. أعلنت حماس التي على علاقة وثيقة مع البرغوثي عن دعمها الجزئي. يشارك نحو ثلث أسرى فتح في الإضراب أيضا. شارك أمس في وقفة احتجاجية تضامنية في أنحاء الضفة لذكرى يوم الأسير آلاف الفلسطينيين. في هاتين الحالتين كان عدد المشاركين كبير جدا إلا أنه لم يخرج عن المألوف.
في الجانب الإسرائيلي، هناك نوايا معلنة من قبل وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، بدعم من رئيس الحكومة ووزير الأمن لعدم إدارة مفاوضات مع الأسرى وعدم الاستجابة لأي طلب. في الماضي، تضاءل هذا العزم كلما دام الإضراب لفترة أطول وتورطت الأمور. ولكن من المتوقع أنه في الواقع السياسي الحالي ألا يكون أمام أردان مكان للتنازل وأن يشعر أنه ملزم بإبداء العزم والإصرار. على أية حال، يشكل هذا الإضراب أزمة تتطلب إدارة مكثفة من قبل القياديين السياسيين والأمنيين، خوفا من تأثيراته خارج جدران السجن.
رغم ذلك، يبدو أن البرغوثي وسائر منظمي الإضراب سيواجهون عائقين في محاولتهم لدفع العملية قدما. الأول هو مدى الإصغاء الدولي لهذا الإضراب. ففي ظل الواقع الذي يُقتل فيه مئات البشر في الأعمال الإرهابية الفظيعة في حلب وإدلب، سيكون من الصعب تجنيد التضامن وحتى جذب اهتمام العالَم العربي في نضال الأسرى الفلسطينيين. الثاني مرتبط بالظروف في السجون الإسرائيلية. دون التقليل من شأن الصعوبات التي يعاني منها الأسرى، لا يمكن تجاهل حقيقة أنه في السنوات الأخيرة، كان هناك عدد من الشبان من قطاع غزة الذين اجتازوا الحدود إلى داخل إسرائيل وهم يحملون سلاحا مرتجلا لأنهم يعتقدون فقط أن الظروف في السجون الإسرائيلية أفضل من ظروف حياتهم في غزة.
فصل تيار الكهرباء في غزة
في هذه الأثناء، ازدادات أزمة الكهرباء في القطاع. منذ الأيام الماضية، يقتصر توفير حكومة حماس في غزة مجددا للكهرباء حتى نحو ست ساعات في اليوم فقط. يقف في الخلفية نزاع مع السلطة الفلسطينية حول مَن يدفع ضريبة السولار الذي يُنقَل من إسرائيل إلى شركة توليد الكهرباء في غزة التي يرتبط عملها بتوفير الكهرباء. حتى بداية الشهر، تم دفع الضريبة من أموال المساعدة القطرية ولكن حتى الآن أعلنت السلطة أنها ترفض دفع الضريبة والتمويل ثانية.
يأتي هذا القرار إضافة إلى قرار آخر لعباس الذي قرر تقليص نحو %30 من رواتب عمال السلطة الذين يعيشون في القطاع. قال الرئيس الفلسطيني مؤخرًا إنه سئم تقديم المُساعَدة المادية خلال عشر سنوات لحكومة حماس في غزة، التي لا تقدم له مقابلا أيا كان. تهدد السلطة أيضًا أنه في حال لم تتنازل له حماس عن صلاحيات في القطاع ومن بينها المسؤولية عن المعابر الحدودية والنشاطات الأمنية ستتوقف السلطة عن نقل الأموال إلى القطاع. هناك شك إذا كانت ستُنفذ هذه التهديدا بأكملها، ولكنها تعكس محاولة عباس لاتخاذ خط أكثر هجوما تجاه حماس وقائدها الجديد في القطاع، يحيى السنوار.
كما هو الحال مع نضال البرغوثي فإن نزاع القوى هذا بعيد عن الانتهاء أيضا. ولكن في هذه الحال أيضا، يوجه كلا الجانبين الفلسطينيين المتنافسين جزءا من الاتهامات نحو إسرائيل. ما زال قطاع غزة ينجح في الصمود، في ظل الوضع الصعب من توفير الكهرباء خلال ربع ساعات اليوم فقط. ولكن قد يؤدي استمرار الوضع إلى توتر بين الفلسطينيين وإسرائيل ثانية، في الفترة التي يبدو فيها أن حماس تبذل مساع كبيرة للتحكم بإطلاق القذائف من قبل منظمات سلفية نحو بلدات التفافي غزة.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس