إحدى السمات الأساسية في الحمض النووي الإسرائيلي هو التوق، الذي يكون مؤثرا أحيانا ومثيرا للشفقة في أحيان أخرى، من أجل الحصول على الاعتراف، الشرعية، والقبول، في العالم العربي والإسلامي. من أجل التقاط صورة مع زعيم عربي أو مسلم، فإن الزعماء الإسرائيليين من اليسار واليمين، مستعدون للدفع بالعملة الصعبة. رغم أن قيمة هذه الصور ليست كبيرة.
إسرائيل أشبه بجزيرة صغيرة تقع في حيز يسود فيه العداء والعنف، لهذا من الأفضل لها أن تبني جسورا عندما تسنح لها الفرصة، تعقد تحالفات، وأن تبذل قصارى جهودها لتطبيع العلاقات مع الدول التي يمكن القيام بهذه الخطوة معها. شوهد في السنوات الماضية تقدما ملحوظا في هذا المجال، لأسباب كثيرة: انهيار بعض دول المنطقة، ورغبتها في الانضمام إلى “الدول الجارة القوية” التي تعمل ضد إيران، إدارة الفلسطينيين لشؤونهم بشكل فاشل، معارضة موحدة لسياسة أوباما في المنطقة من قبل، واستخدام إسرائيل حاليا كبطاقة تساعد على الدخول إلى البيت الأبيض في عهد ترامب.
كل هذه الأمور جيدة، ولكن علينا الانتباه إلى زملائنا الجدد. تعتبر زيارة رئيس تشاد إلى إسرائيل زيارة “تاريخية” لأن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس تشاد إسرائيل. عدا ذلك، ليس هناك سبب للانفعال. لن تُقام علاقات دبلوماسية الآن بين البلدين، والعلاقات الاقتصادية بينهما قائمة منذ زمن. ستواصل إسرائيل بيع الأسلحة للرئيس ديبي، وهو رئيس أفريقي آخر، لديه ماض مثير للشك في مجال حقوق الإنسان، ولكنه أجرى الآن زيارة إلى القدس، إلى متحف “ياد فاشيم” والتقط صورا إلى جانب نتنياهو. من المفترض أن ديبي توصل إلى الاستنتاج أن الصور في إسرائيل ستكون مفيدة له، إذ إنه يحتاج إلى مساعدة دولية ودعم من واشنطن، هذه الخطوة هامة أيضا من أجل نتنياهو، الذي يرغب في إظهار إنجازات سياسية قبيل الانتخابات. تجدر الإشارة إلى أن رد الفلسطينيين على هذه الزيارة كان “فاترا”، فالتطبيع بين دول عربية كبرى وإسرائيل يثير اهتماما أكثر لدى الفلسطينيين، وهم يقفون مكتوفي الأيدي نسبيا إزاء هذه الحقيقة.
النجاح الإسرائيلي الدبلوماسي المفلت يحصل في الحقيقة مع الدول العربية مثل البحرين، والإمارات العربية، والسعودية طبعا. في هذه العلاقات أيضا، تتصرف إسرائيل وكأن مصلحتها تكمن في إشهار علاقاتها، في حين أنه ليس من المؤكد أن هذا هو الوضع. لقد جنى نتنياهو الذي زوّد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتورط بمقتل خاشقجي، بـ “القبة الحديدية” فائدة كبيرة جدا في واشنطن، ولكن لحق بإسرائيل ضرر كبير من هذه الخطوة، لا سيما في وسائل الإعلام الليبرالية. أية فائدة تجني إسرائيل عندما يتصدر اسمها العناوين بقضايا ترتبط بمقتل صحفي معارض لنظام الحكم؟ ما الفائدة التي تجنيها عندما يستخدم ترامب العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل من أجل إبداء تسامحه إزاء جرائم الأمير، الذي يأتي لاعتبارات أخرى مختلفة تماما؟ الفائدة ليست معروفة.
نأمل أن يتذكر بن سلمان هذه العلاقات أكثر من السيسي، الذي عمل نتنياهو كثيرا من أجله في واشنطن، ولكن بعد مرور بضع سنوات من العلاقات والمحادثات مع إسرائيل بشأن حماس، احتضن السيسي حماس ثانية، كما فعل مبارك سابقا.
إسرائيل دولة قوية وقادرة على المساهمة كثيرا من أجل العالم والدول الجارة، في مجال التكنولوجيا، الطب، الزراعة، وطبعا في مجال الأسلحة والاستخبارات المتقدمة. أقل ما تحتاجه إسرائيل من هذه الدول ذات أنظمة الحكم الدكتاتورية هو الشرعية. في الواقع، من الصعب أن نعرف ما هي الفائدة من التقاط صور مع زعيم دولة عربية أو إسلامية مثير للجدل، فيما عدا الفائدة السياسية طبعا، قبيل الانتخابات الإسرائيلية، إذ إن الإسرائيليين كما ذكر آنفا لم يتغلبوا على الرغبة الطفولية لاحتضان العالم العربي والإسلامي.