يُعتبَر التفجير المزدوَج الذي حدث في بيروت اليوم قرب المستشاريّة الثقافيّة الإيرانية حلقة جديدة في السلسلة الطويلة لنزاعات السنّة والشيعة الممتدّة من بيروت على ساحل البحر المتوسّط، مرورًا بِسوريا، وليس انتهاءً بعمق العراق. ويمثّل الإرهابيّان الانتحاريّان، اللذان ألحقا أضرارًا هائلة جنوب بيروت، طريقة عمل آخذة في الانتشار ما دامت الحرب الأهلية السورية مستمرّة – أي العمليّات الانتحاريّة. ليس استخدام الانتحاريّين جديدًا في الشرق الأوسط، ولا هو كذلك في الصراع السني – الشيعي في بيروت نفسها، لكنه آخِذ في الازدياد.
وفقَ دراسة لمركز المعلومات الإسرائيلي حول الاستخبارات والإرهاب، أضحت العمليّات الانتحاريّة خلال الحرب الأهلية السورية علامةً فارقة للتفجيرات المنسوبة إلى جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، المحسوبتَين على تنظيم القاعدة والجهاد العالميّ.
فضلًا عن ذلك، نقلت جبهة النصرة وكتائب عبد الله عزام العمليّات الانتحاريّة إلى داخل لبنان مع مطلع عام 2014، لتُمسي طريقة النشاط الرئيسية في الصراع ضدّ حزب الله والطائفة الشيعيّة في لبنان. جبهة النصرة، ممثّل القاعدة في سوريا، هي تنظيم الثوار الذي نفّذ أكبر عددٍ من التفجيرات الانتحارية في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية. فمنذ الإعلان عن إنشائها (في كانون الثاني 2012) وحتّى كانون الأول 2012، أعلنت الجبهة مسؤوليتها عن 43 من أصل 50 تفجيرًا انتحاريًّا نُفِّذ ضدّ نظام الأسد.
خلال عام 2013، نفّذت جبهة النصرة 34 تفجيرًا انتحاريًّا. في الوقت نفسه، نفّذ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الفرع السوري للقاعدة في العراق، الذي بدأ عمله أواخر أيار 2013، تسعة تفجيرات إرهابية انتحاريّة أخرى. بالإجمال، نفّذ التنظيمان معًا عام 2013 ما مجموعه 43 تفجيرًا انتحاريًّا، شارك فيها نحو 53 إرهابيًّا انتحاريًّا.
تسرّب هذا النوع من التفجيرات إلى لبنان. ففي لبنان، جرت 5 تفجيرات انتحاريّة منذ مطلع عام 2014، أربعة منها نفّذتها جبهة النصرة، وواحد نفّذته الدولة الإسلامية في العراق والشام. ينضمّ تفجير اليوم إلى هذه المعطيات، ويشير إلى منحى توسّع الحرب السورية إلى داخل الحُدود اللبنانيّة.
وفق تقدير الباحثين، كلّما طال أمد الحرب الأهلية، فإنّ العمليّات الانتحاريّة مُعرَّضة أكثر “للتسرُّب” إلى دُول أخرى، حيث إنّ الناشطين الجهاديّين المتواجدين اليوم في سوريا يمكن أن يبادروا إلى أو يكونوا جزءًا من تفجيرات انتحاريّة حين يعودون إلى بلدانهم، مستغلّين الخبرة العمليّة الكبيرة التي اكتسبوها في سوريا والعلاقات التي نسجوها مع ناشطي القاعدة والجهاد العالمي. علاوةً على ذلك، يمكن أن تُرسل التنظيمات المحسوبة على القاعدة والجهاد العالمي، العاملة في سوريا، بمبادرتِها انتحاريين إرهابيين لتنفيذ مهامّ إرهابيّة في الدول الغربية، دولة إسرائيل، وحتّى دول عربيّة إسلاميّة أخرى.