كان ذلك صدفةً، لكن يصعب إيجاد وقت مفيد أكثر للإدارة الأمريكية ولاستخباراتها. فحين حصل إدوارد سنودن، مسرّب أسرار الإن إس إيه (وكالة الأمن القومي) على لجوء سياسي في روسيا، لبهجة منظمات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة والعالم، برهن المستمعون إلى المعلومات ومحلِّلوها LISTENERS AND ANALYSTS) ) في وكالة الأمن القومي أنّ عملهم ضروري جدًّا ومنقذ للحياة. فقد أدى اعتراض إشارات بثّ وتحليلها إلى القرار الدراماتيكي بإغلاق ممثليات الولايات المتحدة في المنطقة بين باكستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإخلاء عمّال ومواطنين أمريكيين من اليمن. وقد احتذت ممثليات غربية أخرى في اليمن بالولايات المتحدة.
ثمة من ادّعى أنّ الإدارة تصرفت بهستيريا وذُعر. لكنّ ذلك يمكن أن يكون مفهومًا. فثمّة مثل بأن من يُلذع من الحليب يخاف من اللبن. فشلت الإدارة في حماية القنصلية في بنغازي بليبيا.
توفرت معلومات عن إمكانية هجوم إرهابي، لكنّ تأويلَها وفهمها لم يكونا جيدَين. ولذلك، لم يتعاملوا معها بالجدية المطلوبة، وحاولوا لاحقًا التمويه وطمس الحقائق وعرضَ ما حدث على أنه “تظاهرة”، تدهورت إلى عنف غير مضبوط. هذه المرة، تقرّر عدم المخاطرة بلا لزوم.
لم تكن المعلوماتُ دقيقة وموضعيّة، لذلك قرر مسؤولو الأمن والاستخبارات اتّباع قاعدة “إبقاء الهوامش الأمنية واسعة” جدًّا. لكن مرة أخرى، تبرهن أن لا بديل عن الاستخبارات بشكل عامّ، والاستخبارات الإعلامية “SIGINT” التي تعترض محادثات هاتفية ووثائق فاكس، تدخل الحواسيب، تقرأ البريد الإلكتروني، تصحّح برامج تجسّس، وتفكّ شِفرات.
فقد أتاحت هذه الوسائل، وفقًا لما نشرته لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأمريكي، تعقّب محادثة أو أكثر بين مَن يُعتبر اليوم زعيم القاعدة، المصري د. أيمن الظواهري، وقائد التنظيم في اليمن، ناصر الوحيشي.
ويُعتبَر الوحيشي قائدًا داهية. فقد كان من المعاونين المقرَّبين إلى أسامة بن لادن، وعمل إلى جانبه في أفغانستان. وفرّ عائدًا إلى بلاده، اعتُقل، لكنه نجح في الهروب عام 2006. ومنذ ذلك الحين، جمع حوله مجموعة من الأتباع. قبل فترة، سجّل إعلانًا بصوته نُشر على الإنترنت، أقسم فيه الولاء للظواهري، ووعد بأن يكون “جنديًّا” أمينًا في خدمته.
إنّ الخوف الأمريكي من القاعدة في اليمن مبرّر لأنّ أسابيع قليلة فقط مرت على نجاح طائرات أمريكية دون طيّار باغتيال نائب الوحيشي بعد التنصت على إحدى محادثاته.
ومع ذلك، ثمة أسئلة وأمور غير واضحة في القصة. فكيف تجرأ الظواهري والوحيشي على إجراء اتصال بينهما، وهما على دراية بالقدرات الكبيرة لوكالة الأمن القومي الأمريكية على اعتراض المحادثات الهاتفية؟ وقضية أخرى لا تقل شأنًا عن ذلك هي: كيف وصلت معلومات حسّاسة وسرّية إلى هذه الدرجة إلى الإعلام في الولايات المتحدة؟ صحيح أنّ بعض المعلومات التي نقلتها وكالات الاستخبارات في الماضي كبيانات موجزة إلى أعضاء الكونغرس قد تسربت للإعلام، لكن الحدث هذه المرة حسّاس للغاية. ليس ذلك واضحًا، إلّا إذا كان لأحد في الإدارة مصلحة بتسريب المعلومات لإثبات مدى أهمية وكالة الأمن القومي وعملياتها للأمن القومي، إثر موجة الاحتجاجات بُعيد ما أفشى به سنودن.
على أية حال، قبل نحو شهر من مرور13 عاما على أحداث 11 أيلول، يمكن للولايات المتحدة والعالم الغربي وكل شريك في الحرب على الإرهاب، بما في ذلك حكومات في الشرق الأوسط، أن تستمدّ التشجيع. صحيح أنّ مجموعات محلية لناشطين إسلاميين مسلّحين يستلهمون أفكارهم من نظرية “الجهاد العالمي” ومن أفكار بن لادن يستمرّون في الترتيب والتخطيط لعمليات، لكنّ العالم اليوم مجهّز بشكل أفضل ممّا كان حينذاك. تحسّنت القدرات الاستخبارية. وقد تعزّز التعاون بين وكالات الاستخبارات في العالم، وتبدي قوى خاصة من الولايات المتحدة، بتعاون وثيق مع جيوش محلية ثباتًا وقدرةً عمليّاتيّة جيدة، مدعومة بمعلومات محدّثة.