مضيتُ في طريقي أمس (الثلاثاء) من تل أبيب إلى القدس، للمشاركة في تناول وجبة إفطار جماعي مع مشاركين مسلمين ويهود ومسيحيين على أحد الأسطح في المدينة القديمة. لم أزر القدس منذ زمن، والحالة المتوترة في المدينة لا تساعدني على أن أشعر مرتاحة. عند دخولي إلى القدس انتابني شعورا غير مريح، ولكني فكرت أنه سيتبدّل عندما نفطر.
وجّهني التجار المسلمون في سوق المدينة القديمة إلى الدرج الخفيّ الذي مررت عبره من الأزقة الضيقة إلى الأسطح الواسعة، التي تطل على كل المدينة وعلى الجبال التي تحتضنها. إحدى الخصائص التي تميّز القدس في أشهر الصيف، هي أنه مهما كانت درجات الحرارة مرتفعة ولا تُطاق خلال النهار – ففي المساء تسود رياح باردة.
https://www.facebook.com/JerusalemArts/videos/256538411376717/
وعند وصولي لاحظت أن مجموعة “جيروزاليم أرت” تستعد للحدث. لقد بدأ أفرادها في إعداد دمى جوارب، كانوا يريدون توزيعها على الأطفال المسلمين في المدينة القديمة بمناسبة عيد الفطر. حاولتُ إحضار دمية ديك، ولكنها بدت في النهاية مثل البطة. فاعتذرت بهدوء في قلبي من الطفل الذي سيحصل عليها وينزعج، لذلك قررت أن أترك الإبداع الفني للموهوبين أكثر مني.
في الوقت الراهن، وصل الطعام بكميات استعدادا لوجبة الإفطار، ووصل معه الكثير من الناس، وكان يبدو بعضهم متعبا من الصيام، وطلب آخرون، ولا سيما السائحون الأوروبيون، توضيحات عن العيد الإسلامي، وكان عدد غير قليل من اليهود مرتدو القلنسوات (صهاينة متدينون) يدردش مع أصدقائهم المسلمين للتخفيف عنهم من وطأة الصيام.
بشكل أساسيّ، كان يتضمن البرنامج تناول الطعام معا، تجاذب أطراف الحديث، والتعرف على أشخاص جدد من أماكن وأديان مختلفة، وفي النهاية بدء الغناء معا على أنغام العازفين الذين تمت دعوتهم بشكل خاص. ولكن بعد تناول وجبة الإفطار اللذيذة والدردشة، قرر بعض الجيران اليهود أنّ مجرّد إقامة حدث مشترك بين المسلمين واليهود ليس مقبولا عليهم.
وقد وصلت مجموعة من المتطرفين من حلقة دينية مجاورة، ظنّوا كما يبدو أنّهم ذاهبون إلى معركة مع مجموعة من الفلسطينيين الكارهين لليهود، ولكنهم بدوا مرتبكين عندما رأوا أن من بين المحتفلين بوجبة الإفطار كان هناك أيضًا يهود متديّنون يبدون مثلهم تماما، ومع ذلك فهم يحتفلون مع زملائهم المسلمين بسعادة ومن دون أن يشعروا بالخوف.
لمزيد دهشتي، فقد تلاشى التوتر والخوف اللذان انتاباني عندما جئت إلى القدس في لحظة واحدة. إذا كان هذا هو الأمر الذي خشيت منه – الاشتباك العنيف، فها هو في هذه اللحظة تحقق أمام عيني تقريبا، ولكن شعرت بأمان – لم أقف وحدي، وإنما إلى جانب أصدقاء يهود ومسلمين ومسيحيين كانوا عازمين على الدفاع عن بعضهم البعض عند الحاجة.
ولذلك، تقرر إنهاء الحدث قبل الوقت المتوقع حتى لا تحظى مجموعة اليهود المصابين بالملل من الحلقة الدينية بذريعة البدء بالمعركة. عندما لاحظ المهاجمون أننا نخلي المكان بهدوء من دون ممارسة العنف، بينما حاول الجنود كبحهم، بدوا غير راضين، كما لو أن النار التي ألهبت قلوبهم قد تلاشت.
لقد أخمِدت نار واحدة، وأشعلت أخرى – نظرتْ إلى أعينهم المليئة بالخوف والكراهية أعين مليئة بفرحة العيد، ومقابل قبضاتهم المشدودة وقف أشخاص كانوا غرباء حتى قبل عدة ساعات، ولكن أصبحوا الآن مجموعة محاصرة أثبتت قدرة الأديان المختلفة على بناء الجسور فوق الأسوار.