يتابع نحو عشرين ألف شخص، من أماكن مختلفة في سوريا، في المنطقة وفي العالم، إليزابيث تسوركوب بحماسة. شابة خبيرة في شؤون الشرق الأوسط، تُعتبر مرجعا في كل ما يتعلق بما يحدث في سوريا. تحمل تسوركوب اللقب الثاني في الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب وتكتب في “منتدى التفكير الإقليمي” في موضوعات تتعلق بسوريا، الخليج العربي، مواقع التواصل الاجتماعي والنضالات من أجل التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط.
ليس أن سنّها الصغير، وأسلوبها المباشر، يُفاجئان بحقيقة أن معظم الخبراء في هذا الشأن يتابعونها بحماسة، بل أيضا حقيقة أنها إسرائيلية. في محادثة مع طاقم “المصدر” تتحدث عما جعل شابة صغيرة من تل أبيب تستثمر ساعات طويلة كل يوم، على مدى سنوات، في الحرب الأهلية السورية.
“بدأ ذلك في بداية الثورات العربية. قبل ذلك كان لديّ أصدقاء سوريون، ومن أجل ذلك فعندما بدأت المظاهرات الأولى في آذار 2011، بدأت بمتابعتهم من قريب والتحمّس للمظاهرات المختلفة، الدعوات، الأغاني الخاصة. كانت تلك فترة تبدو اليوم وكأنها في عصر آخر، ولكن ذلك كان قبل مدة قصيرة فعلا”.
عندما تقولين أصدقاء، هل تقصدين أصدقاء في الفيس بوك؟
أصدقاء من منصّات إلكترونية مختلفة في الإنترنت. التقيت ببعضهم منذ ذلك الحين، وخصوصا في تركيا والأردن. كلّما اهتممت أكثر، اكتشفت استعدادا أكثر في أوساط السوريين للحديث معي، ومشاركتي بتجربة هذه الحرب الأهلية. تحدّثنا عن أمور لا تتعلق إطلاقا بالسياسة أيضًا، مثل شؤون شخصية، رومانسية، أسرية.
هل يعرف الجميع أنّك إسرائيلية؟
نعم، يعرف الجميع أنّني إسرائيلية. أنا لا أخفي ذلك.
أليس لديهم مشكلة مع ذلك؟
لا يتواصل معي أولئك الذين لديهم مشكلة مع ذلك، ببساطة. هناك أشخاص لا يزالوا على تواصل معي رغم أنّهم مرّوا بمسار تطرّف ديني خلال السنوات الأخيرة. أنا بنفسي قطعت العلاقة مع أشخاص كانوا في الماضي مع الحرية وفجأة يصفون بن لادن شهيدًا.
هل تعتقدين أن الانفتاح تجاه الإسرائيليين هو شيء يُميّز الجيل الشابّ في سوريا؟
أجد صعوبة في التفكير ولو بحادثة واحدة كنت قد توجّهت فيها لأحدهم وقال لي “عذرًا، لكنّنا لا نتحدث مع الإسرائيليين”.
لقد تغيّر، في أعقاب الثورة، الكثير ممّا أعتقده الناس عن العالم حولهم. على سبيل المثال، كان هناك تأييد كبير لحزب الله في أوساط السوريين. اليوم، يتظاهر الناس ضدّه ويحرقون أعلامه. بالمناسبة، إذا أراد الناس حرق علم إسرائيل، فسيكون ذلك عامّةً علمًا تم رسمه على ورقة، إذ من أين سيحصلون على علم حقيقي؟ إذا أرادوا حرق علم حزب الله – فلا مشكلة في الحصول على علم حقيقي، فقد كانوا يفخرون بهذه الأعلام ذات مرة. قال لهم النظام على مدى سنوات: أنا قائد المقاومة ضدّ إسرائيل، أنا مع الفلسطينيين، ثم يرون أن حزب الله يعمل ضدّهم وأنّ النظام يقتل الفلسطينيين في اليرموك. وسوى ذلك، فالمساعدة الطبية التي تقدّمها إسرائيل للجرحى هي شيء يدركه الناس ويؤثّر فيهم.
الآن، أين نقف من حيث المعركة الكبرى، تموز 2015؟
أرى تراجعا كبيرا جدّا لنظام الأسد. منذ الأيام الأولى التي استخدم فيها النظام القوة العسكرية، كان لديه نقص في القوى البشرية التي يمكن الوثوق بها بأن تقاتل وألا تنضم لصفوف الثوار. المشكلة الآن أخطر بكثير لأنّ الناس أصبحوا يدركون أنّ احتمال الموت كبير جدّا. يحاول الأسد الظهور بأنّه يسيطر أيضًا على المناطق البعيدة عن العاصمة أو المناطق التي فيها غالبية علوية، ولكن الناس يقولون: لماذا أضحي بحياتي من أجل الحفاظ على مطار في دير الزور أو قرية سنية في إدلب؟ لذلك، فلم يعد ينضم العلويّون والدروز إلى الخدمة العسكرية أيضًا. أما الثوار، فتحديدا لأنّهم غير موحّدين، يمكنهم شنّ الهجمات في الكثير من الأماكن. على سبيل المثال الآن، نحن نرى في آنٍ واحد هجمة في منطقة جنوب سوريا، وحلب، وإدلب أيضا. وهذا دون داعش.
ماذا بالنسبة لداعش؟
كان لديهم في الماضي اتفاق على أنّه وقت الهدوء مع النظام، لا يحاول أي من الأطراف ضرب الطرف الثاني. لقد خصّص نظام الأسد عام 2014 ما معدله 16% من هجماته ضدّ داعش فقط. أما البقية فقد كانت ضدّ الثوار الآخرين. بالنسبة لداعش كانت النسبة مماثلة. تعلم داعش أنّ أيديولوجيّتها ليست جذّابة بالنسبة للغالبية العظمى من السنة في سوريا أو الشرق الأوسط، في حين أنّ هناك تأييد للثوار السنة. يريد كلا الطرفين، الأسد والثوار، الوصول إلى هذا الوضع: إمّا أنا أو داعش.
ألاحظ بأنّك تقولين “النظام”، في حين أنّه في التصوّر الإسرائيلي ليس هناك “نظام”، بل هناك إيران التي تقف خلفه
هذا تصوّر تبسيطي قليلا. لا شكّ أن هناك حضورا ونفوذا كبيرا جدا لإيران، ولكن لا يزال هناك نظام الأسد.
ولكن من الذي يوقّع على الشيكات؟
لا شكّ أنّ النظام لا يزال قائما بفضل الإيرانيين فقط. منذ عام 2012، عندما فرض الإيرانيون على حزب الله التدخّل كان هناك اتّجاه لعودة سيطرة النظام. ولكن هذا الاتّجاه انقلب مؤخرا. ومع ذلك، يختار حزب الله بنفسه أين يقاتل، في المناطق المهمة بالنسبة له، بشكل أقل من المناطقة المهمة بالنسبة للنظام.
وماذا يحدث مع الثوار؟
لا شكّ أنّ هناك زيادة كبيرة في المساعدات الخارجية. لديهم أسلحة أكثر بكثير. إذا كانوا سابقا بحاجة إلى التوسّل من أجل بضع رصاصات وكانوا يعطونهم من حين لآخر صواريخ مضادّة للدبابات، فالشمال السوري اليوم مغمور بالسلاح. بالإضافة إلى ذلك، غيّرت داعش استراتيجيتها وهي تهاجم النظام.
ماذا عن جيش الفتح؟
في شمال سوريا المجموعة الأكبر هي أحرار الشام، ويتمتع السلفيون بالدعم القطري، وثاني أكبر مجموعة هي جبهة النصرة، وهذا مقلق. أما في الجنوب فقوّتهم أضعف، فهناك الجيش السوري الحر الذي يشكّل نحو 70% من قوات الثوار. في الجنوب، لا تزال تظهر المجموعات العلمانية زخمها، رغم البروز الإعلامي للسلفيين.
ماذا تعلمين عن التدخّل الإسرائيلي في سوريا؟
لديّ معلومات جزئية جدّا لأنّ جميعها يأتي من الجانب السوري. تقدّم إسرائيل دعما لمجموعات الثوار في جنوب سوريا مثل تقديم العلاج الطبي والمساعدة الإنسانية مثل الغذاء للرضع، البطانيات، وكما يبدو أيضًا الأسلحة الخفيفة.
يتم تنسيق نقل الجرحى عن طريق الجيش السوري الحر، ممّا يمنع دخول عناصر سلبية، مثل جبهة النصرة على سبيل المثال، التي تعارض تماما التعاون مع إسرائيل، رغم ما يقوله الدروز. أنا أؤيد ذلك جدّا، أيضًا بسبب المسألة الإنسانية، وأيضًا لأنّنا في الماضي اعتمدنا على النظام وعلينا الآن الاعتماد على الشعب.
ما هي الردود حول ذلك في سوريا؟
جيّدة جدّا. بشكل أساسيّ لأنّ الحديث يجري عن علاج طبي ذي جودة عالية، للأشخاص الذين يأتون في حالات صعبة جدّا، ومن الواضح جدّا بأنّهم لم يكونوا ليتمكّنوا من البقاء على قيد الحياة دونه.
سؤال تلخيصي: كيف كنت تريدين مستقبل سوريا وإلى أين تعتقدين أن الأمور ستسير؟
لمزيد الأسف هناك فجوة كبيرة جدا بين كلا الأمرين. في رأيي ستستمر الحرب لسنوات طويلة أخرى، حتى لو سقط الأسد. نحن نرى تعزّز العناصر المتطرّفة وهذا ليس ما أتمنّاه لسوريا ولا أعتقد بأنّ هذا ما يريده معظم السوريّين. كنت أريد أن تكون هناك عملية سلام ومصالحة، وأن تعيش جميع الطوائف معًا، ربّما في إطار فدرالي ما، دولة يتم انتخاب الحكومة فيها ديمقراطيًّا. لا يهمّني إذا ما كان الحكم المستقبلي مع أو ضدّ إسرائيل. يهمّني ما يعود بالخير على السوريين.