عام 1859، بدأ الحفر في قناة السويس، بعد أن منح الحاكم المصري محمد سعيد باشا الامتياز على القناة لشركة مصرية. تم الانتهاء من المشروع بعد عشر سنوات. شارك فيه أكثر من مليون فلاح مصري. مات 120 ألف منهم في ظروف مروّعة. ولكن عندما طالب الزعيم الثوري جمال عبد الناصر، بعد نحو مائة عام من ذلك، بإعادة ملكية القناة إلى الشعب المصري، شنّت إنجلترا وفرنسا، وكلاهما دولتان استعماريّتان تنازعان الموت، حربًا ضدّ الشعب الذي نهض. حدث كل ذلك بالتعاون المتحمّس من قبل إسرائيل الفتيّة. سمّى العالم الحرب على مصر “العدوان الثلاثي”. في إسرائيل تمت تسمية ذلك “عملية قادش”. كل ضرر وقداسته.
تعلّم المصريون الدرس، ولذلك قرر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في السنة الماضية، أن يكون تمويل حفر القناة الجديدة، والتي تم الاحتفال بافتتاحها يوم الخميس الماضي، من أموال الناس البسطاء. خلال ثمانية أيام اشترى الشعب المصري سندات مالية بنحو ثمانية مليار دولار.
لم تتعلم إسرائيل دروس الخصخصة، والتي تعني هناك بيع تصفية لكنوز البلاد: لم يتعلّموا من خصخصة كنوز البحر الميت، من أحواض بناء السفن الإسرائيلية وغير ذلك. عندما تم اكتشاف الغاز في البحر، سارعوا إلى إعطاء الامتياز لاثنتين أو ثلاث من الشركات الضخمة، والتي تتصرف حاليا كما تصرّفت الإمبراطورية البريطانية تجاه مصر. كل ذلك بدلا من إرساء سلطة لإدارة الموارد الغازية (بشكل شبيه لهيئة قناة السويس)، بحيث تكون الشركات الكبيرة متعهدين ثانويين، وليست مالكة، ولأستطيع أنا، المواطِن الصغير، أن أكون شريكا ببضعة شواقل لا أملكها.
واليوم، عندما لا يطالب الشعب لا سمح الله بإعادة امتياز الغاز إلى مالكيه، وإنما فقط تحسين شروط الامتياز، نقف أمام “عدوان ثلاثي”، لشركات أمريكية، إسرائيلية، بدعم من الإدارة الأمريكية، والتي اتصلت من خلال السفارة بأعضاء كنيست من القائمة المشتركة وضغطت عليهم من أجل دعم مخطّط الغاز. ولا ننسى شيلدون أديلسون، الذي يطلب من بنيامين نتنياهو تغييرات في اللوائح. وقاحة حقّا، مواطن أجنبي يتدخّل بشؤون اللوائح لدينا. بالمناسبة، ماذا تعني اللوائح؟
جاء في سفر أشعيا: “ويطرقوا سيوفهم إلى محاريث، وسهامهم إلى مناجل”، وفي مصر قرّروا تكليف سلاح الهندسة بتنفيذ حفر القناة. عطر آخر الأيام. ربما تلطّف هذه المهمة من الجيش قليلا وتكبح جماح عمليات الهدم خلال الاشتباكات مع الإرهابيين المتعصّبين.
هناك جانب عالمي أيضًا للقصة المصرية. في الوقت الذي تُقدّم فيه الشعوب العربية للعالم منذ عدة سنوات مشاهد الرعب، تأتي مصر، وبدلا من السيوف المسلولة والرؤوس المتدحرجة، تقدّم للعالم السحر العربي: قناة بطول 72 كيلومترا، تم الانتهاء منها خلال عام – وهذه هي المرحلة الأولى فقط. في المرحلة الثانية، التي تم البدء بها فعلا، سيتم تأهيل 10 مليون دونم من الأراضي بالإضافة إلى مراكز الصناعات الثقيلة على طول القناة، بالإضافة إلى العديد من الشقق الجديدة.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“