ما زالت فضيحة الفساد الكبيرة، التي تم الكشف عنها يوم الأربعاء ويقع في مركزها حزب “إسرائيل بيتنا” التابع لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، تعصف بإسرائيل. اعتقلت الشرطة حتى الآن أكثر من 30 شخصًا لهم علاقة بالفضيحة بطرق مختلفة، ويبدو أنّه سيكون هناك المزيد من المعتقلين.
إنّ انتشار الفضيحة في فترة تقع فيها دولة إسرائيل في خضم عملية انتخابات، قد يكون حاسما بخصوص استمرار الحياة السياسية لليبرمان بل وبخصوص هوية رئيس الحكومة القادم. لم يعتقل رئيس الحزب ليبرمان، وهو الشخص الذي يُقرّر كل ما يحدث داخله، ولم يتم التحقيق معه، ولكن الشعب الإسرائيلي يجد صعوبة في التصديق بأنّ ليبرمان، بعد سيطرته التامّة على الحزب، لم يكن يعلم بالأفعال الخطيرة التي يُشتبه بقادة الحزب القيام بها.
وكدليل على ذلك، ففي الاستطلاعات الأخيرة التي نُشرت صباح اليوم (الجمعة)، بعد يومين من انتشار الفضيحة، يتلقّى ليبرمان ضربات قاسية. وفقا لأحد الاستطلاعات، فمن المُتوقع أن يحصل ليبرمان على خمسة مقاعد في الكنيست (مقابل 13 في الكنيست الحالية)، ممّا سيُقلّل كثيرا من قوّته السياسية.
بشكل رسمي، يعبّر ليبرمان عن ثقته ودعمه بفاينا كيرشنباوم، المسؤولة في حزبه والتي تقع في مركز الشكوك، ولكنه قد يغيّر موقفه لاحقا، وفقا للتطوّرات. وفقا للتقارير، فلدى الشرطة أدلة قاطعة وواضحة للاشتباهات، بأنّه تم تجنيد “شاهد عن الدولة”، والذي عمل لصالح الشرطة ووثّق أعمال الفساد.
وتمسكُ الفضيحة ليبرمان في الوقت الذي يعرض فيه تحديثا لمواقفه السياسية، التي كانت معروفة بصرامتها الشديدة تجاه الفلسطينيين وتجاه فرصة التوصل إلى تسوية سياسية. يعرض ليبرمان مؤخرا مواقف أكثر عملية، ويتحدث عن الحاجة الإسرائيلية للتوصل إلى تسوية سياسية مع الدول العربيّة من أجل تجنّب المقاطعة والعزلة الدولية، وهكذا فهو يقدّم نفسه باعتباره “المسؤول الكبير”.
يبدو أنّ أحد أسباب تغيير مواقف ليبرمان يعود إلى رغبته في تغيير حكم نتنياهو، بحكم الكتلة السياسية التي تُدعى في إسرائيل “المركز-اليسار”، والذي سيترأسه ليبرمان، مع يتسحاق (بوجي) هرتسوغ وتسيبي ليفني. وبسبب طريقة الانتخابات الإسرائيلية، فمن المتوقع أن تكون في إسرائيل كتلتان سياسيتان بعد الانتخابات: كتلة اليمين، بقيادة نتنياهو ونفتالي بينيت، وكتلة المركز-اليسار. في أعقاب ذلك، فالذي يقرّر من سيكون رئيس الحكومة القادم هو ليبرمان جنبا إلى جنب مع “كلنا”، حزب موشيه كحلون، والأحزاب الحاريدية.
وقد أدى نشر فضيحة الفساد الخطيرة إلى ابتسامات كثيرة في معسكر اليمين. وتقول تقديرات المحلّلين إنّ معظم المصوّتين لليبرمان سيأتون من اليمين، ولذلك فإنّ إضعاف ليبرمان سيزيد من قوة نتنياهو وبينيت. وهذا هو السبب أيضًا أنّ ليفني وهرتسوغ غير راضيَين عن تراجع قوة ليبرمان، والتي ستؤدي إلى عدم صعودهما للسلطة وإلى استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة.
في الوقت الراهن، ليبرمان يعمل. بشكل عام، من الصعب تقدير وتوقع تحرّكات ليبرمان، الذي يُعتبر سياسيا محنّكا، ولذلك من الصعب فهم ما خططه. خرج أمس إلى سلسلة من اللقاءات في باريس، وبخلاف المعتاد، لم تنشر وزارة الخارجية (التي يترأسها ليبرمان بصفته وزيرا للخارجية) أخبارا عن ذلك.
وتوقيت خروج ليبرمان إلى باريس أكثر إثارة للدهشة، عقب حقيقة أنّه خرج يوم عيد الميلاد، ولذلك يُعتقد أن احتمال لقائه مع شخصيات أوروبية معينة هو احتمال ضعيف. شوهد ليبرمان في باريس داخل الفندق المرموق “رفائيل”، المعروف باعتباره الفندق المفضّل لدى المسؤولين من الخليج العربي، ولذلك فهناك تقديرات أنّ ليبرمان قد التقى مع مسؤول من العالم العربي، بل وربما مع مسؤول من دولة ليست لإسرائيل علاقات دبلوماسيّة رسمية معها (مثل السعودية).
ماذا يُخطّط ليبرمان؟ مع من التقى؟ هل التقى بصفته وزير الخارجية الإسرائيلي، أم بدلا من ذلك بصفته رئيس حزب من الممكن أنّه سيسقط؟ هناك الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات. على أية حال، فهذه أيام حاسمة بالنسبة لإحدى أكبر الشخصيات السياسية الإسرائيلية، التي تعيش هزّة كبيرة.