بعد أقل من أربع سنوات من إنشائها، يبدو أن حركة “نساء يصنعن السلام” أصبحت مشهورة. وقد أنشِئَت هذه الحركة الميدانية غير الحزبية الواسعة في صيف عام 2014، بعد عملية “الجرف الصامد”، ومنذ ذلك الحين وهي تتقدم بسرعة. تتضمن الحركة عشرات الآلاف من النساء من جميع أنحاء الطيف السياسي والاجتماعي في إسرائيل – اليهوديات والعربيات، المتدينات والعلمانيات، اليساريات واليمينيات – يطالب جميعهن بالتوصل إلى اتفاق سياسي ملائم، يكون مقبولا على كلا الطرفين، وبالتالي ينجح في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شريطة مشاركة النساء في المشروع.
تتضمن الأنشطة العديدة التي بدأتها الحركة، التي يعمل فيها نحو 50 طاقم عمل ميدانيا في إسرائيل، إقامة لقاءات منزلية وعرض أفلام تتناول السلام؛ تنظيم احتفالات بالأعياد الدينية المختلفة؛ إجراء مظاهرات تناشد التوصل إلى اتفاق سياسي؛ المشاركة في لجان البرلمان الإسرائيلي وأكثر من ذلك. وبالإضافة إلى عضوات الحركة الإسرائيليات، يرافق الحركة العديد من النساء الفلسطينيات اللواتي يدعمن أنشطة الحركة ويساعدنها.
وأهم نشاطات الحركة هو “مسيرة الأمل” التي أجريت في تشرين الأول 2016، وشارك فيها 30.000 امرأة ورجل – إسرائيليون وفلسطينيون، يهود وعرب من جميع أنحاء إسرائيل – استغرقت المسيرة أسبوعين، وبدأت في شمال البلد وانتهت في القدس. وقد حظيت هذه المسيرة الفريدة بتغطية إعلامية واسعة في إسرائيل وبتأييد مثير للإعجاب في العالم، كما وحققت التغطية التي أوردتها قناة الجزيرة 8 ملايين مشاهدة، وحظيت تغطية شبكة التلفزيون الأسترالية بما معدله 28 مليون مشاهدة.
في الفترة الأخيرة، أجرينا مقابلات مع ناشطتين وهما ريبي دايموند وهدى أبو عرقوب – ريبي هي إسرائيلية عضوة في “نساء يصنعن السلام”، وهدى هي ناشطة سلام فلسطينية وشريكة رئيسية في الحركة.
انضمت ريبي دايموند، وهي أم لطفلين من بلدة بيت زايت بالقرب من القدس، إلى الحركة فور إنشائها في صيف عام 2014. أوضحت ريبي أنه خلال عملية “الجرف الصامد” في غزة شعرت باليأس والقلق الشديد بسبب مواجهة أهوال الحرب. “اعتقدت أنه علي العمل، لأنني شعرت بعد الحرب بشعور سيء. تعهدت أمام نفسي ألا أعود إلى ذات المسار الذي خضته قبل الحرب وألا أنسى”.
هكذا بدأت ريبي تبحث عن إطار تطوع يمكن أن تعمل فيه على حل الصراع، لهذا شاركت في لقاء تعارف لحركة “نساء يصنعن السلام”. “لقد تطورت الحركة ميدانيا، عملنا عملا مكثفا، بهدف التوصل إلى اتفاق”، قالت ريبي.
تعمل هدى أبو عرقوب، وهي ناشطة سلام فلسطينية من قرية دورا، وتشغل منصب مديرة قطرية لـ- Allmep Alliance) for Middle East Peace)، وهي منظمة الأم وتضم أكثر من 100 منظمة سلام إسرائيلية وفلسطينية. هدى هي شريكة رئيسية في حركة “نساء يصنعن السلام”، وتساعد منذ تأسيسها على القيام بنشاطات مختلفة خاصة بالحركة، وتنقل رسالة المصالحة والتضامن مع النساء الفلسطينيات.
في صيف عام 2014، وبعد الحرب مباشرة، عندما عُيّنت مديرة إقليمية في منظمة Allmep، شعرت أن هناك حاجة حقيقية للتحدث مع الإسرائيليين الذين دعموا الحرب في غزة، وليس فقط مع اليسار، كما هو الحال عادة. منذ ذلك الحين، بدأت هدى تتعاون مع حركة “نساء يصنعن السلام”. “يعود القلق الأساسي لدى الطرفين إلى معرفة هل هناك شريك”، قالت هدى. “كانت البداية هامة وسريعة، التقينا مع كبار السياسيين الفلسطينيين سعيا للتوصل إلى تعاون النساء الفلسطينيات”.
تصف الناشطتان الصعوبات التي نشأت في بداية الحركة، مثلا، عندما كان لدى بعض النساء في الحركة مشكلة في استخدام كلمة “الاحتلال”. قالت هدى: “أدركنا أنه إذا أردنا أن ننجح وندفع الحركة النسائية قدما من أجل التحدث إلى الناس الذين يفتقرون إلى الإيمان بإسرائيل، علينا أن نتنازل عن أمور تتعلق باللغة، وأن نخلق لغة جديدة – لغة الأمهات والنساء”. “يجري الحديث عن جهد كبير بذلته النساء اللاتي يرغبن في تحرير أنفسهن من الخوف الرهيب من سماع الأخبار السيئة”. إن أهم شيء تتعامل معه الحركة هو عامل التعافي، لأن المجتمع الإسرائيلي جريح، كما تصفه هدى.
أهم ما يميز الحركة، وفق أقوالهما، هو النسيج الاجتماعي المتنوع الخاص بالعضوات. خلافا لمنظمات السلام الأخرى، “نساء يصنعن السلام” هي حركة واسعة غير هرمية تشمل النساء من كل الخلفيات الاجتماعية والسياسية في إسرائيل. مثلا، تتضمن الحركة ناشطات مستوطنات إضافة إلى النساء من اليسار، العربيات، النساء من مركز البلاد وضواحيها، المتديّنات والعلمانيات. قالت هدى: “يتم تحرير هؤلاء النساء من السيناريوهات القديمة التي تقيّد نشاطاتهن، وهذا أمر غير مسبوق”. وقالت ريبي: “هناك فرصة لدى كل امرأة للتعبير عن موهبتها”. وأضافت: “تتضمن الحركة محاميات، راقصات، مربيات وما إلى ذلك، وبما أنها حركة غير منظمة هرمية، فيمكن لكل النساء أن يشاركن ويشعرن بالأمان”.
وماذا بالنسبة للنقد الذي تواجهه الحركة؟ أحد الانتقادات الموجهة إلى الحركة هو أن ليس لديها برنامج عمل أو طريقة محددة لحل النزاع. وفيما يتعلق بذلك، توضح الناشطتان أن ما يمنع الجانبين من التوصل إلى حل هو عدم رغبة القادة. فهما تزعمان أن الحركة لا ترفض أي حل يتفق عليه الطرفان، وستؤيد أي اتفاق يتم التوصل إليه. وتؤكدان مجددا أن الخطاب الذي اعتمدته الحركة هو “إنهاء الصراع” بدلا من “إنهاء الاحتلال”، لأن الصراع أكبر بكثير من الاحتلال. يسمح استخدام هذه اللغة للحركة بتوسيع نشاطاتها، كما توضحان.
تتحدث الناشطتان عن العديد من الردود الشوفينية التي تواجهها النساء في الحركة من الرجال والنساء على حد سواء. ضمن اللقاءات المختلفة التي تجريها الحركة تقام لقاءات غناء، رقص، نشاطات فنية، ويدعي البعض أن الأعمال التي تمارسها النساء ليست جدية و”تحط” من شأنهن. ومع ذلك، تعتقد ريبي وهدى أن النشاطات التي يقمن بها هامة وتشكل وسيلة نسوية للتعبير عن التضامن. وتوضحان أنه على عكس العمل مع الرجال، فلا تتميز الحركة بالعقلية التي تركز على “الأنا”، ولا تتضمن نشاطاتها النسوية المنافسة.
تشير الناشطتان إلى أن نشاطات الحركة ممولة من تبرعات خصوصية، لا سيما من الإسرائيليين ويهود الولايات المتحدة، إذ تبعث الحركة فيهم أملا في إحداث تغيير. والسؤال المثير للاهتمام هو إذا كانت القيادات الإسرائيلية والفلسطينية تدعم نشاطات الحركة وتشجعها. وفي هذا السياق أعربت هدى أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يدعم الحركة وأوضحت أنه دعا أعضاءها إلى زيارته في المقاطعة. تقول: “تأثرنا كثيرا من دعمه للنشاط الإسرائيلي”.
وفيما يتعلق بالقيادة الإسرائيلية، أوضحت ريبي أن عضوات الحركة اجتمعن مع رئيس الحكومة نتنياهو وهن مستعدات للاجتماع مع كل من يهتم بالموضوع. “نحن مستعدات للتحدث مع أية جهة تعرب عن نيتها للتشاور معنا. الحركة غير حزبية، نحن ندعم جهات ونعارض أخرى في الوقت ذاته، ونحترم رؤية الجميع ومعتقداتهم”. وفق أقوالها، فإن نساء الحركة معروفات جيدا بين أعضاء البرلمان الإسرائيلي، ويؤيد بعضهم الحركة كثيرا. وأضافت أن أحد أبرز مؤيدي الحركة وأكثرها إثارة للدهشة هو عضو الكنيست يهودا غليك من حزب الليكود اليميني.
ماذا سيحدث في المستقبل؟ تتعهد الناشطتان بعدم التزام الصمت والاستمرار في العمل الهام داخل الحركة التي يبدو أن عضواتها لا يهدأن أبدا. وقالت ريبي: “سينتهي الصراع بيننا وبين الفلسطينيين وستتم تسويته بعد أن نتوصل إلى اتفاق سلام ملائم يتفق عليه الجانبان فقط”. وأضافت “نعتقد أن هذا سيسمح أيضا بدفء العلاقات مع بقية الدول العربية، وربما يتحقق ذات يوم حلم العديد من الإسرائيليين الذين يريدون السفر إلى لبنان واحتساء القهوة والاستماع إلى عرض موسيقي جيد فيه”.