في بداية السنة السادسة على الأزمة السورية يقف أمامنا سؤالان كبيران. الأول، لماذا لم يوفر كل الذين يقفون إلى جانب الشعب الثائر صواريخ ضدّ الطائرات وضدّ الدبابات؟ الثاني، الذي يبرز على خلفية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في تدمر، لماذا كل التحالفات والقوى التي (لم) تُفعَّل ضدّ داعش في سوريا لم تهزم التنظيم أو تحد من سيطرته؟ هناك إجابة واحدة عن كلا السؤالين: لم يكن جميع اللاعبين المشاركين مستعدين على المضي في الطريق بأكملها من أجل تحقيق تصريحاتهم.
لم يرغب بعض المشاركين في الأزمة السورية في سقوط نظام الأسد. لا يدور الحديث فقط عن الدول المشتبه بها مباشرة مثل إيران وروسيا؛ ولكن إسرائيل أيضًا لم ترغب في رحيل الأسد، فقد استفادت وستستمر في الاستفادة من الأزمة. الولايات المتحدة أيضًا، رغم تصريحاتها وإظهار عضلاتها، لم تكن مستعدة لدفع الثمن مقابل رحيل الجزار من دمشق. هل هناك طريقة أخرى لتفسير منع وصول السلاح المضادّ للدبابات والطائرات إلى أيدي الثوار، رغم أن كل جندي مبتدئ يمكن أن يدرك أنّه من دونها ليس لديهم أي احتمال ضدّ قوات الجيش السوري، الإيراني، الروسي وحزب الله؟ بكلمات أخرى، فقدان الشرعية الداخلية لنظام الأسد، كنتيجة لجرائم الحرب التي اقترفها، كان قد توازَن مع الدعم الخارجي الذي حظي به من إيران وروسيا ومع انعدام الرغبة الغربية والعربية في تسليح الثوار بشكل فعال.
وهكذا وجد الشعب السوري، الذي تظاهر بشكل سلمي ضدّ القمع على مدى تسعة أشهر، وجد نفسه وحيدا في المعركة ضدّ نظام مدعوم من قبل قوى دولية عظمى (روسيا) وقوى إقليمية (إيران)، في الوقت الذي يستخدم فيه الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، عبارات تلطيفية كذريعة لإخفاقه.
كذلك فيما يتعلق بداعش دق الكثيرون طبول الحرب وعمل القليلون، القليل جدا وفي وقت متأخر جدا. إن القضاء عسكريا على تنظيم الدولة الإسلامية هو مهمة تستغرق شهرين أو ثلاثة من خوض حرب حقيقية، ولكن الكثير من الدول، وعلى رأسها نظام الأسد نفسه، استغلت داعش لاحتياجاتها بدلا من قتالها. استخدم الأتراك، على سبيل المثال، داعش من أجل زيادة الصعوبة على الأكراد في شمال سوريا، بل وتاجروا مع التنظيم بالنفط ومنتجاته. هكذا بقيت داعش على قيد الحياة، بل وتعزّزت، عسكريا ولا سيما اقتصاديا.
كذلك المملكة العربية السعودية وتركيا، اللتان ترغبان في رحيل الدكتاتور وصعود نظام حليف في سوريا، لم توفّرا للثوار وسائل قتاليّة فعّالة بشكل عام. وذلك في الوقت الذي تقوم فيه إيران، عدوّتهما اللدودة، بكل ما يحلو لها في سوريا. يبدو أنّ الولايات المتحدة هي التي منعت كلا القوتين الإقليميتين السنيّتين من دعم الثوار. الولايات المتحدة وروسيا، واللتان تبدو مصالحهما في سوريا موحّدة في هذه المرحلة، هما اللتان تمليان سير الأزمة. يجري بينهما إجماع في شأن المفاوضات لإيجاد حلّ للأزمة وفرضه على الأطراف، وتتعاونان ميدانيا ضدّ جميع الجهات التي تجرؤ على معارضة خططهما.
هذا العام سيكون قدّ مرّ 100 عام على اتفاقية سايكس- بيكو بين بريطانيا وفرنسا، والتي حسمت مصير سكان الشرق الأوسط وشكّلت طابع الدول وطابع تطوّرها. هناك شكّ أنّنا أصبحنا نعيش في ذروة عصر آخر تُحدد فيه القوى العظمى مصير الشعب السوري بشكل يخدم رغباتها، من دون علاقة بإرادة الشعب السوري وإرادة المجموعات التي يتألف منها.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي