إيقاع القبيلة هو الألبوم الأولّ والوحيد لمحمود جريري، مُغنّي راب من مدينة اللد. بعد فترة قصيرة فقط من إصداره، حاز الألبوم على المرتبة الثانية في تصنيف عدد التنزيلات في تطبيق آي تيونز. لم تتطور موسيقى الراب في الشرق الأوسط، بل في أمريكا، لكّنها في تزايد مُتسارع بين جيل الشباب في الشرق الأوسط. ومحمود جريري هو شخصية هامّة في هذا المجال، نظرا لكونه عضوًا في فرقة الراب “دام” المشهورة، بالإضافة إلى تأسيسه موقعَ “إندي بوش” للموسيقى المُستقلّة.
نصوص جريريّ لاذعة وانتقاديّة، أيضا في ألبومه الخاصّ، إذ يتطرّق في الأساس لقضايا اجتماعيّة عميقة في المجتمع العربيّ. ففيها نرى أنّه يُهاجم الانقسام الطائفيّ ويحتجّ على تعنيف النساء. لم يتجاهل أيضا في تأليفاته، في أغنية “ذئب ذئب” على سبيل المثال، موضوعَ التطرّق لماهيّة هويّته وهوية أبناء جيله المعقّدة، الذين ترعرعوا كمسلمينَ حاملينَ لبطاقة الهوية الإسرائيليّة.
أحد الأغاني المثيرة للاهتمام والجريئة على صعيد خاصّ في ألبومه، هي أغنية بعنوان “الحق على اليهود”. رُغمَ اسمها، الذي يتم ترديده كشِعار على طول الأغنية، فإنّ الرسالة المركزيّة المنقولة هي أنّ اليهود ليسوا في الواقع السببَ الرئيسي للمشاكل في المجتمع العربيّ والفلسطينيّ.
“بتعرفوا كيف احنا بننهي كل نقاش؟ الحق على اليهود” هكذا ردّد جريريّ ليُشدّدَ في أغنيته على ظواهر ذات إشكاليات في المجتمع العربيّ، كالفساد وقتل النساء على خلفيّة شرف العائلة. لكل مشكلة أو ادّعاء يذكره جريريّ، نسمع إجابة واحدة ووحيدة، وكأنها صوت إيقاع القبيلة – “الحق على اليهود”. إجابة جريريّ على هذه الحجج، التي جاءت لترفض أيّ انتقاد أو محاولة لصنع التغيير، هي –”العالم مش بريء بس المشكلة فينا نحنا”. تبحث أغنية أخرى باسم “عماد” أيضا هذه القضايا إلى حدّ ما، ولكن من منظور طفل صغير.
أغنية أخرى ممُيّزة ويجدر ذكرها في الألبوم هي أغنية بعنوان “غسيل دماغ”، وفيها يُهاجم جريريّ التحريض الجامح في وسائل الإعلام، الإنترنت وأنظمة التربية والتعليم. إذ يستوجب حقّا الاستماع لكلّ من الألحان وكلمات النص في هذه الأغنية. وفي أغنية أخرى تلتها، بعنوان أوبتسميست، يُلخّص رأيه بالانتقادات الموجّهة لعمليات غسيل الدماغ الجماعيّة التي تحدّث عنها، على شكل رسالة – “كن الأول؛ الصوت الأول”.
حوَت فحوى المواضيع التي تناولها جريريّ كمغنّي راب السياسةَ والقضايا الاجتماعية دائما. فحتّى عندما يتكلّم عن مواضيع أخرى، مثلا عن الحب (في أغنية “كيميا”)، فإنّ مجاله المجازيّ يبقى متعلّقا بالسياسة (كما في كلامه “عيني عليها ككاميرا على عربي بالمطار” والمزيد). يبدو أنّه واعٍ جدّا لهذا الخيار، وأنه ليس مُهتما بكتابة أغاني الحب الزائفة ذات الكليشيات المبتذلة. (في حين أنّ تامر نفار، زميله في فرقة دام، يقول في أغنيته الجديدة المُسمّاة “يا ريت”، انه “يا ريت اكتبلك أغنية حب ملانة “كليشيهات” – ببدع فكل اشي واشي، وبَبلّم بالاشي هاد!”)
على الرغم من أنّ جريريّ قد بات مُغنيّا لأغاني نقديّة اجتماعيّة لأكثر من 15 عاما، إلا أنّه ما زال ناجحا في إنتاج موسيقى مُميّزة، مُثيرة ومُتّقدة حماسا، ويعود ذلك، إلى حدّ ما، إلى الفُكاهة التي يدمجها خاصّةً في المواضيع الأكثر حساسيّة (كما في أغنية “أنا من هناك” التي تتناول موضوع طفولته في مدينة اللد). حيث يقول في أغنية “شهاب” التي يختم فيها الألبوم “أنا بدي أكون نجم بالسماء”. يُمكن لجريريّ أن يكونَ مُطمئنّا، على الأقل من ناحية هواة الموسيقى العربية البديلة، وهو بالفعل هكذا.
يُمكن الاستماع للألبوم وشراؤه عبرَ الرابط ادناه: