في 15 أيلول نشر قائد قوة قدس التابعة للحرس الثوري، قاسم سليماني، بيانا خاصا انتقد فيه “تصريحات العدو” التي تهدف إلى إنشاء انقسام وخلاف داخلي في إيران، مؤكدا على أنّه يعتزم البقاء “جنديا” في خدمة المرشد الأعلى، النظام والشعب الإيراني حتى آخر حياته. بكلمات أخرى: عدم الترشّح في الانتخابات القادمة لرئاسة إيران.
وقد جاء بيان القائد العسكري الاستثنائي على خلفية تقارير نُشرت في الأشهر الماضية في الإعلام الإيراني والغربي حول نية المحافظين تقديم سليماني كمرشح نيابة عنهم في الانتخابات الرئاسية في أيار 2017. يهدف البيان إلى الرد أيضا على كلام الدبلوماسي الأمريكي المسؤول سابقا، دنيس روس، في مقابلة قدمها مؤخرا لمراسل المجلة السعودية “المجلة”، والتي ادعى فيها أنّ زيادة ممارسة الضغوط على إيران حول سياستها الإقليمية من شأنها أن تعزز مكانة المعتدلين بقيادة الرئيس روحاني وتضعف المتطرفين في الحرس الثوري، ومن بينهم قاسم سليماني.

وقد حظي بيان سليماني سريعا بالثناء من جميع أطياف الخارطة السياسية الإيرانية. وعرّفت وكالة الأنباء “فارس”، المتماهية مع الحرس الثوري، كلامه باعتباره “ردا حكيما على مشروع التدخل” الذي تقوده الولايات المتحدة بهدف تقسيم المجتمع الإيراني وتعميق التدخل الغربي في إيران. وعلقت جهات متماهية مع المعسكر البراغماتي والإصلاحي بروح مشابهة.
ورحبت الصحافة الإصلاحية من خلال إعلان سليماني. في مقال بصحيفة “اعتماد” جاء فيه أنّه يجب الثناء على سليماني وتقديره على قراره الحكيم في البقاء في الساحة العسكرية والحفاظ بذلك على مكانته كـ “رمز وذخر للمجتمع”. وأشاد المقال بمساهمة قائد قوة قدس في الدفاع عن إيران في الحرب الإيرانية – العراقية وحتى الحرب الحالية ضدّ داعش، وكذلك بشجاعته وطابعه الأخلاقي.
إن رؤيا سليماني نفسه، كما يبدو، محافظة، رغم أنه يمتنع بشكل عام عن الإعراب عن مواقفه في القضايا السياسية المثيرة للجدل. خلال أعمال شغب الطلاب الجامعيين في طهران في شهر تموز 1999 كان سليماني من بين الموقعين على رسالة أرسلها ضباط كبار في الحرس الثوري للرئيس الأسبق خاتمي، طالبوا فيها من الأخير بقمع أعمال الشغب بالقوة بل وهددوا بالتدخّل إن لم يستجب.
حتى لو عكست بعض مظاهر الفرحة والرضا من قبل الجانب الإصلاحي من إعلان سليماني إزالة ترشّحه عن جدول الأعمال، فإنّ التأييد الواسع الذي يحظى به في إيران في السنوات الأخيرة واضح، بل آخذ بالازدياد مع زيادة تعرضه للجمهور. أدى طرح اسم سليماني في إطار قضية إحباط محاولة اغتيال حياة سفير السعودية في واشنطن عام 2011، للمرة الأولى إلى موجة تصريحات تأييد غير مسبوقة له، وبلغت ذروتها بعد أن ظهرت دعوات في جلسات الكونغرس الأمريكي إلى اغتياله. في أعقاب تلك الدعوات أطلق متصفّحون إيرانيون حملة في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “كلنا قاسم سليماني”. وتمثّلَ تقدير الشعب لسليماني أيضا في أعقاب التعليقات الداعمة التي حظي بها من قبل المواطنين في أعقاب وفاة والدته في أيلول 2013. وأعرب الكثير من المتصفّحين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينهم من يُعتبرون مؤيّدين للمعارضة الإصلاحية، عن حزنهم وأثنوا على سليماني لمساهمته في حماية البلاد.
https://www.youtube.com/watch?v=4XAWyjqKRpQ
أثارت مشاركة سليماني في الحملة العسكرية في العراق وسوريا والإنجازات التي نُسبت إليه في أعقاب ذلك تأييدا غير مسبوق لقائد كبير. نُشرت عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي توثقه في مواقع التواصل الاجتماعي، تم إنتاج فيلم عن حياته، نُشرت سيرته الذاتية، تم إصدار طابع بريدي تقديرا له، كوُتبت قصائد احتراما له بل رُفع مقطع فيديو في اليوتيوب باسم “جنرال إيراني”.
إن خدمات قاسم سليماني المستمرة في الحرس الثوري، علاقاته بقيادة النظام، وعلى رأسها المرشد الأعلى، علي خامنئي، وصورته العامة بصفته بطلا قوميا ومدافعا عن الوطن قد تساعده على الاندماج في السياسة الإيرانية إذا قرر القيام بذلك مستقبلا. لا يُشكل كل ذلك ضمانا لنجاحه في الساحة السياسية، ولكنه يشير إلى سر سحر مرتدي الزي العسكري أيضا في الجمهورية الإسلامية.
نُشر ها المقال للمرة الأولى في منتدى التفكير الإقليمي