39 عامًا مرّت منذ لفظت أم كلثوم نفسَها الأخير، لكنّ الموسيقى التي أنتجتها على مرّ سنوات حياتها تواصل تأثيرها فينا حتّى اليوم. أعاد موسيقيّون في أرجاء العالم غناء أغانيها الرائعة مرّاتٍ لا تُحصى، وجرّب مغنّو ومغنّيات إسرائيل حظّهم أيضًا.
بمناسبة إحياء ذكرى وفاتها، في 3 شباط القادم، قرّرنا أن نؤلف لكم قائمة تشمل أفضل خمس تأدِيات لأهم الأغاني التي لا تُنسى للسيّدة التي حظيت باللقب الذي لا يزال حيًّا: “كوكب الشرق”.
قبل أن نبدأ، دعونا نمنح الأصل كرامةً – أم كلثوم تغنّي “إنتَ عُمري” في حفلٍ شهير في باريس:
http://youtu.be/XPGHpBOt5sE
أوّل أداءٍ سنتوقّف عنده هو لأغنية “ألف ليلة وليلة”. بدأت أم كلثوم تبني نفسَها من لا شيء، قاضيةً سنواتٍ طويلة من العمل الدؤوب، إذ كانت تتخفى في هيئة شابّ. واجهت صعوباتٍ عديدة لكونها امرأة، وتخطّت عقباتٍ كثيرة رافقتها في طريقها إلى النجاح. من هذه الناحية، يصعب التفكير في مغنّية إسرائيلية قصّة حياتها مختلفة عن هذه أكثر من نسرين قدري، الفائزة في برنامج اكتشاف المواهب “إيال جولان يدعوك”.
وصلت قدري، عربيّة مسلمة من حيفا، إلى برنامج تلفزيوني، لفتت اهتمام المرشدين بسبب أصلها، وأسرتهم بصوتِها. لكن، رغم مسيرتها المختصَرة، ترى أم كلثوم حذوةً يُقتدى بها، حتّى إنّها روت في الماضي أنّ حلمها هو أن يجلس الناس إلى جانب المذياع منتظرين أغنياتِها الجديدة، تمامًا كما انتظروا ساعاتٍ طويلة لسماع ما تفوّهت به النجمة المصريّة.
نسرين قدري تغنّي بإحساس مفعم رائعةَ أم كلثوم “ألف ليلة وليلة”:
تميّزت أغنيات أم كلثوم بكلمات بسيطة نسبيًّا، اكتست ألحانًا أكثر تعقيدًا، وبشكل أساسيّ – بتوزيعات مكثّفة بآلات موسيقيّة مختلفة. حوّلت هذه الأمور حفلاتها إلى عرضٍ مُثير جالبٍ للبهجة. وبشكل مُدهش، ساهمت هذه العناصر في إبراز مواهبها الغنائيّة الرائعة. ربّما بسبب صوتها العميق وحنجرتها الشديدة الاتّساع، وربّما بسبب شخصيّتها المذهلة والجذّابة – طالما أعطت الانطباع أنّ الكمان، الطبول، وسائر الآلات الموسيقيّة ليست سوى عنصر آخر يخرج من حنجرتها، وهي التي تتحكّم في توقيته وشدّته.
رغم أنّ سريت حداد، مطربة إسرائيلية معروفة بشكل خاصّ في الجانر المتوسطي، لا تتمتّع بالمميّزات الكثيرة للمطربة المصريّة الشهيرة، فإنّ تناغمها مع الفرقة المرافقة في العرض الحيّ هو نتاج عمليّة دراسة طويلة ومعمّقة، ما يجعل النتيجة تستحقّ الإصغاء.
سريت حداد في أداءٍ رائع لأغنية “أروح لمين” من حفل لعملاقات الطرب العربي:
على أية حال، ليست أم كلثوم قصرًا على النساء في إسرائيل. يُكثر المرتّلون ومغنّو الأغاني الدينية، الذين تعلّموا الترتيل في الكُنس منذ سنّ مبكرة، أداء أغانيها ومنحها تفسيراتٍ خاصّة. فزيف يحزقيل، موسيقي ومؤلّف كانت الموسيقى العربية الكلاسيكيّة مرتكزه، أحيى حفلات كاملة مؤسَّسة بشكلٍ حصريّ على أغاني أم كلثوم الفاخرة. يُتقن يحزقيل، يهودي مؤمن يعتمر الكيباه (القلنسوة)، منح الكرامة التي تحقّ للملكات، حين يؤدّي إحدى أغنياتها. فهو يحرص على الغناء مطوَّلًا، ويغنّي بعربيّة سلِسة، مذكِّرًا إيّانا أنّ الموسيقى لغة واحدة مشترَكة.
زيف يحزقيل يفكّر مليًّا في الحبّ في أدائه النابض بالحياة لأغنية “حُبّ إيه”:
كما يمكنكم أن تفهموا، كان لأم كلثوم تأثير ملحوظ في الموسيقى في إسرائيل. تمتّع مغنّون كثُر بإعادة تأدية أغانيها، فيما استمدّ آخرون الإلهام من أسلوب الغناء وعُمق الصوت، وجميعهم دندنوا – ولا يزالون – رائعتها الأعظم، “إنتَ عُمري”. كتب الأغنيةَ أحمد شفيق كامل ولحنّها عام 1964 محمد عبد الوهاب، أحد عمالقة الملحّنين المصريين في القرن العشرين.
بعد ثلاثة عقود، أضحت نسخة جديدة للأغنية سجّلتها مغنية إسرائيلية، زهافا بِن، منتشرة لدى المجتمَع العربي في إسرائيل، في السلطة الفلسطينية، وفي الدول المجاورة. أثنى النقّاد على عذوبة صوتها، المدى الواسع الذي نجحت في إبرازه من خلال أوتارها الصوتيّة، والأداء الأصيل والحسّاس لديها. حتّى بعد مرور 15 عامًا، تبقى هذه الأغنية إحدى أكثر الأغنيات ارتباطًا بالمغنيّة الحزينة. وإليكم دليلًا، إن أردتم، على أهمية ومكانة أم كلثوم في الثقافة الموسيقيّة في إسرائيل. النجم الحقيقي يُبرق وينير دائمًا.
استمِعوا إلى زهافا بِن تغنّي مِن أعماق قلبها “إنتَ عُمري”، ولكم الحُكم – هل كانت حماستُها مبرَّرة؟
http://www.youtube.com/watch?v=5te832qfzkg