ظل عدد لا نهائي من المجرمين، القتلة والأشخاص الذين يحملون أفكارًا أيديولوجية إيمانية جنونية، يقلقون الإنسانية لسنوات. أنهى غالبيتهم حياتهم خلف قضبان السجن وتمكن القلائل منهم من الاختفاء تمامًا. ولكن، كان أذكى أولئك المجرمين الذين يتطلب القضاء على إرهابهم الكثير من الموارد المادية والبشرية والكثير من الصبر. إليكم قصص بعضهم
جون ديلينجر: مجرم أمريكي من النوع القديم
لا يمكنكم أن تقولوا أنكم مجرمون حقيقيون بالفعل قبل أن يكون قد تم تشكيل وحدة فيدرالية خاصة فقط لوضعكم خلف القضبان الحديدية. لسخرية القدر، لولا ديلينجر لما كان لاختصار FBI أي قيمة لديكم.
اختار ديلينجر، القادم من أسرة من إنديانا تضم 5 أفراد، الجانب الخطأ من القانون حين كان لا يزال بعد مجرمًا مراهقًا في إنديانا بوليس وفي سجله قائمة طويلة من الجرائم. بعد أن هرب من أداء الخدمة العسكرية ضمن القوات البحرية الأمريكية، في سن الـ 25، تزوج وطلق زوجته خلال خمس سنوات، ولم يتمكن من إيجاد عمل – فقرر أن يسرق بقالة عام 1929. تم القبض عليه واعترف بفعلته معتقدًا أن ذلك سيخفف عقوبته. بدل ذلك، حكم عليه القاضي بعشر سنوات سجن مما أدى إلى حدوث تفاعلات متسلسلة غيّرت وجه التاريخ بأكمله.
قال ديلينجر، أثناء قضائه عقوبته في السجن، أنه ينوي أن يصبح مجرمًا محترفًا. كان يقول دائما “سأصبح أسوأ شخصية عرفتموها في حياتكم عندما أخرج من هنا”. نجح والده، الذي كان يدير الصراع من خلال جدران السجن، بأن يجمع 188 مواطنًا ليوقعوا على عريضة تطالب بإطلاق سراحه بكفالة عام 1933.
أسرع ديلينجر، إخلاصًا للوعد الذي قطعه، بتشكيل عصابة لصوص وقاموا بالسطو على بنك محلي مع خروجه من السجن. ترك هذه المرة أيضًا أثارًا تقود السلطات إليه ولكنه هذه المرة لم تكن لديه أي نية بأن يقف مكتوف اليدين. اقتحمت عصابة ديلينجر السجن، بعد شهرين من القبض عليه وزجه في سجن في أوهايو، وقاموا بإعدام عمدة الشرطة وأطلقوا سراح قائدهم وقامت بسلسلة من عمليات السطو وقتل رجال شرطة من منطقة أوهايو وصولاً إلى جنوب داكوتا. قُبض عليه في إحدى المرات للمرة الثالثة ولكنه استطاع الهرب عندما قام بتهديد رجال الشرطة الذين حوله بواسطة مسدس خشبي مزّيف، سرق سيارة، وعاد ليفرض حالة من الإرهاب على شيكاغو.
جاءت الحاجة، بعد وضع 10 ملايين دولار جائزة لمن يقضي عليه وحصوله على لقب أخطر مجرم في الولايات المتحدة، بأن يتم تشكيل جهاز معيّن مناسب يضع حدًا للرعب الذي فرضه ديلينجر في البلاد. هكذا وُلد مكتب التحقيقات الفيدرالية، الـ FBI. بعد عدة معارك دامية خاضها عملاء الوحدة الخاصة التي أُوكلت إليها هذه المهمة –الوحدة التي نجح ديلينجر من الفرار منها دائمًا – وأخيرًا استطاع رئيس الوكالة حينها، جي. إدغار هوبر، رصد مكان نقطة ضعف في طوق الحماية الذي يحيط بـ “ديلينجر”.
وافقت مديرة بيت الدعارة، الذي كان يتردد عليه اللص بين الحين والآخر، بأن تبلغ الشرطة (مقابل وعد لها بالحصول على ترخيص كان يعطى في الولايات المتحدة) عن المكان الذي يلتقي فيه ديلينجر فتاة الليل التي اختارها. تمركز أفراد طاقم المهمة خارج قاعة سينما في شيكاغو في تاريخ 22 تموز عام 1934 وانتظروا لحين انتهاء الفيلم. وفتح ثلاثة عملاء النار باتجاه ديلينجر مع خروجه من السينما مباشرة. فقُتل على الفور.
بابلو آسكوفر: بارون مخدرات، بطل شعبي
إن اعتقدتم بأن جون ديلينجر هو طفل مخيف فهذا فقط لأنه لم يلتق بابلو آسكوفر في الحي. أدرك آسكوفر بسرعة، وهو ابن لعائلة فقيرة من مدينة مادلين؛ ثاني أكبر مدن كولومبيا، ما عليه أن يفعله لكي يقوم بتحسين جودة حياته.
تورط، وهو لا يزال مراهقًا، بتهريب السجائر، بيع أوراق اليانصيب المزيّفة، السرقة واختطاف موظف مسؤول والذي قد حصل مقابل إطلاق سراحه على مبلغ 100 ألف دولار نقدًا. توجه آسكوفر ومعه هذا المبلغ الأولي إلى سوق تهريب المخدرات. حقق أول مليون دولار وهو في سن الـ 22 وحين كان في سن الـ 30 كانت الشبكة، التي يقودها، تقوم بتهريب 15 طنًا من الكوكايين يوميًا، والتي قيمتها لا تقل عن نصف مليار دولار. كان يضع طائراته الـ 15 الضخمة والمروحيّات الست، التي كان يستخدمها لنقل المخدرات من بنما إلى كولومبيا، عند مدخل العزبة الضخمة التي كان يملكها في المدينة.
قرر آسكوفر، بعد أن حوّل حدود الولايات المتحدة لباحة ألعابه الخاصة، أنه حان الوقت ليدخل معترك السياسة وأن يرشح نفسه لمجلس الشيوخ الكولومبي. إلا أنه بدل تقبيل الأطفال والتنزه في الأسواق كانت لدى آسكوفر طريقة أخرى للتأثير على نتائج الانتخابات. واجه عدد كبير من ممثلي الشعب المنتخبين؛ رجال شرطة وموظفي دولة، احتمالين اثنين فقط وكلاهما متعلقان بالمال. إما مال أو رصاصة. كان يختار رجال الشرطة والموظفين عادةً الاحتمال الأول بينما فضل آسكوفر، فيما يخص الأشخاص الأربعة الذين ينافسونه على زعامة الحزب، أن ينفذ عمليات اغتيال.
اهتم لاحقًا أيضًا بأن يتم اغتيال المرشحين للرئاسة، لذلك فجر طائرة رئيس البلاد وقتل 110 أشخاص (لم يكن الرئيس على متن تلك الطائرة في ذلك اليوم).
وافق آسكوفر، بعد أن انتهى من تنظيف الساحة، على تسليم نفسه لسجن خاص “La Catedral”، حيث تابع من هناك إدارة أعماله دون أية مشاكل ودون خوف من أن يتم تسليمه للولايات المتحدة.
أدرك الأمريكيون عام 1992 أنه لن تكون هناك أي فائدة تُجرى من السلطات الكولومبية. وبدل ذلك تم اتخاذ قرار بتشكيل وحدة خاصة في الشرطة الكولومبية؛ والتي انضمت إليها قوات مهمات خاصة من القوات المشتركة في الولايات المتحدة، للوصول إلى آسكوفر. انتهت عملية الملاحقة في الثاني من كانون الأول عام 1993 عندما رصد أفراد الوحدة الخاصة آسكوفر في أحد البيوت في مادلين وتمت محاصرته. تعرض رجال الشرطة لإطلاق نار كثيف، عند اقتحامهم للبيت، من قِبل المجرم وحراسه وتم القضاء عليهم بسرعة. إلا أن الكثيرون في كولومبيا يعتبرون آسكوفر، حتى هذا اليوم، بطلاً (يأخذ من الأغنياء ويعطي الفقراء) ويسمون أولادهم على اسمه.
أسامة بن لادن: أكبر كمين على مر التاريخ
هل تعتقدون أنه فقط الأطفال من عائلات فقيرة ممكن أن يتحوّلوا إلى مجرمين هاربين من القانون؟ يبدو أن هذا قد يحدث أيضًا “في أفضل العائلات”.
وُلد الرجل، الذي سيصبح مستقبلاً رئيس أكبر تنظيم إرهابي عالمي، في مدينة الرياض في السعودية لعائلة ثرية جدًا مقربة من العائلة المالكة. تلقى تربيته، التي تبناها طوال حياته، في مدرسة دينية متعصبة من مدارس التيار الوهابي وهو تيار إسلامي متعصب يحمل شعار محاربة الكفار.
تعمق، خلال دراسته الجامعية، ببحث تفسير القرآن والفكر الجهادي، واهتم بالكتب والوثائق التي توثق نشاط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. يدعي مسؤولون في الـ CIA أنه هنا تكون الإيمان لديه بأن السياسات الخارجية للولايات المتحدة تهدف إلى المس بالمسلمين وإخضاعهم، وبأن مفاهيم مثل الاشتراكية والديمقراطية هي مفاهيم جاءت فقط لتسهّل على الغرب السيطرة على المسلمين. كان الحل الذي اقترحه بن لادن بسيطًا. فرض أحكام الشريعة على كل المسلمين.
كانت سخرية القدر أن أول تدريب عسكري وأسلحة حصل عليها بن لادن كانت من جهات غربية كواحد من المجاهدين في الحرب الروسية – الأفغانية عام 1979. انتقل، بعد عشرة أعوام من ذلك، إلى أفغانستان واستغل موارد التمويل الكبيرة التي بين يديه لإقامة تنظيم “القاعدة” – شبكة من الجماعات المسلّحة التي عملت تحت مظلة عقائدية واحدة ولكنها كانت منفصلة عن بعضها لمنع الربط بين هذه المجموعات.
أصبح بن لادن عام 1998 جاهزًا ليضرب، ولأول مرة، أكبر دولة عدوة. هزت سلسلة تفجيرات متزامنة لشاحنات مفخخة، بتاريخ 7 آب، السفارات الأمريكية في دار السلام وتنزانيا ونيروبي. مات العديد من الموظفين الأمريكيين في هذا الهجوم العنيف الذي جعل بن لادن يتصدّر قائمة أهم المطلوبين لدى الـ FBI. قام بن لادن، بعد ثلاث سنوات من ذلك، ثانية بتوجيه ثلاث عمليات متزامنة وهذه المرة استخدم طائرات يقودها انتحاريون والتي تم توجيهها إلى واشنطن، فرجينيا وإلى وسط نيويورك. الـ 2،996 قتيلاً، الذين سقطوا في 11 سبتمبر عام 2001 كانوا الشرارة التي أطلقت أكبر عملية ملاحقة في التاريخ.
استمر بن لادن بإرسال تسجيلات فيديو من مخبأه في الجبال، بينما كانت قوات الولايات المتحدة تخوض حرب استنزاف ضد طالبان وتعرض مبلغ 50 مليون دولار مقابل القبض عليه، وفي تلك التسجيلات كان بن لادن يمتدح الحرب ضدّ الكفار ويشجع على شن عمليات إرهابية ضد الغرب.
امتدت المعارك المضنية وعمليات البحث في الكهوف؛ في أرجاء البلاد، لعشر سنوات على أمل العثور على ذلك الرجل ذي اللحية والعمامة. قادت مصادر متناقضة قوات التحالف إلى عدد كبير من الأماكن التي مكث فيها، على ما يبدو، لسنوات. هذا ما حدث إلى أن وصلت إخبارية في نيسان 2011 تشير إلى عزبة منعزلة تتكون من ثلاثة طوابق في آبوت آباد، باكستان. اقتحمت الوحدة الخاصة التابعة للجيش الأمريكي Nay Seals، المكان مستخدمة مروحيتَين في تاريخ الثاني من أيار عام 2011 بينما كان يتم بث سير العملية بشكل مباشر إلى غرفة العمليات في الولايات المتحدة. كان يفصل بين أفراد الوحدة وبين زعيم الإرهابيين؛ الموجود في الطابق الثالث، ثلاثة حراس شخصيين واثنتين من زوجاته وابن واحد من أولاده. عندما قُتل نتيجة إصابته برصاصة في رأسه سُمع، عبر أجهزة الاتصال الأمريكية من باكستان إلى واشنطن، الرمز الصوتي الذي انتظروه طوال عشر سنوات: “قُتل العدو في العملية”.