تسود في إسرائيل ظاهرة واسعة الانتشار لطالبات في المرحلة الثانوية يحملن ويخترن متابعة الحمل وعدم الإجهاض بل وتربية أولادهنّ. قد يعتقد من يسمع عن هذه القصة، للمرة الأولى، أن أحداثها تدور في الولايات المُتحدة فقط. تنتشر حقا في الولايات المتحدة ظاهرة تسمى “Teenage Moms” (فتيات أمهات)، حيث تُمارس طالبات في المرحلة الثانوية علاقات جنسية غير آمنة مع شبان ويحملن فجأة. بما أن العديد من المجتمعات في الولايات المتحدة ينتمي إلى تيارات كاثوليكية أو بروتستانتية متزمتة، تقرر الكثيرات منهن الإنجاب وعدم الإجهاض.
ولكن هذه الظاهرة شائعة في إسرائيل أيضا ويتضح أنه مقارنة بالعام الماضي فإن الظاهرة منتشرة جدًا، وتحمل نحو 1000 فتاة، تحت سن الـ 18، سنويا. في النهاية، يُجري الكثير من أولئك الفتيات عمليات إجهاض بعد استشارة الأطباء، أفراد العائلة، والشريك.
في المقابل، تقرر فتيات أخريات، مواجهة الحمل، إخبار الأهل والشريك، الولادة، وأن تصبحن أمهات قبل أن يبلغنّ سن 18 عاما. ولو سُئلت تلك الفتيات عن أكبر صعوبة تواجههنّ قد يتحدثن عن أمور مثل: الحمل، الولادة في سن صغيرة أو الاعتناء بالطفل، بينما ما زلنّ فتيات صغيرات، ولكن من معروف أن المُجتمع هو الصعوبة الأكبر التي تواجهها تلك الفتيات.
تصبح الفتيات في لحظة واحدة “نعجة سوداء” في المجتمع الإسرائيلي. يتم نبذهنّ ويعتبرهن الكثير من الأهل أنهنّ قد حدنّ عن طريق العفة ودمرنّ حياتهنّ بأيديهنّ. وتقضي الفتاة التي تقرر ألا تُجهض وأن تضع مولودها، في أحيان كثيرة، فترة الحمل في عزلة اجتماعية، تحديدًا، في الفترة التي تحتاج فيها إلى دعم كثير. ترافق هذه العزلة، في أسوأ الحالات، موجة من الإهانات والشتائم.
تقف الفتيات وحدهنّ ضد العالم
تُعتبر اللحظة التي تكشف فيها الفتيات عن حملهنّ لحظة هامة جدًا كونها لا تُغيّر حياة الفتاة ذاتها تغييرا جذريا فحسب بل حياة عائلتها أيضًا.
يُطرح الكثير من الأسئلة من كُلِّ حدب وصوْب: يتساءل الأهل أين أخطأوا في التربية؟ ماذا سيقول الجيران؟ أبناء العائلة الموسّعة؟ هل ستُعقد مراسم زفاف؟ هل يعرف الأب أساسًا عن الحمل؟ هل هو مستعد أن يتنازل عن حياته الخاصة ويتحمل مسؤولية تربية الطفل؟ وكيف يتم التعامل مع أمرٍ كهذا أساسًا؟.
وتواجه العائلة المُصغّرة تحديدًا في هذه المرحلة من المواجهة المُجتمع والجهاز التربوي لوحدها. تتسرب الفتيات من المدرسة لأن جهاز التربية لا يملك منظومة لاستيعاب مثل هؤلاء الفتيات اللواتي يمرن في هذا الوضع الجديد، للاعتناء بالعائلة المصغّرة الجديدة الحديثة، ويقع هذا الوضع الجديد على كاهل الأهل وفي لحظة واحدة يشوّش الحدود بين الجدة، الأم، وبين الأبناء. تنكشف الجدات على الوضع الجديد قبل الأوان الذي توقعنه، ومن ثم يجتزن مرحلة الصدمة، وبعدها يشعرن بمحبة عارمة تجاه الحفيد أو الحفيدة. يتساءل من يقف جانبا من هي الأم؟
آباء فتيان
يقف في خضم هذا الوضع الجديد الشريك أيضًا. يجد أحيانًا فتيان صغار أنفسهم أيضًا يتعاملون مع فتيات لسنّ مستعدات للتخلي عن الأمومة ويعبّرن عن عدم استعدادهن لإجراء عملية الإجهاض أبدًا. يُولد طفلا جديدا من دون تخطيط مسبق.
لا يرغب الآباء غالبًا في مواجهة الواقع الصعب المتمثل بجعل صديقاتهنّ يحبلنّ قبل الأوان ومن دون أن تربطهما علاقة زوجية. يُقنع الكثير من الفتيان صديقاتهنّ بإجراء عملية إجهاض ليتسنى لكليهما عيش حياة الشباب. يتمثل الخوف الأكبر في المواجهة العائلية والفهم أنه عندما يُتخذ قرار متابعة الحمل، فإن حياة الشريكين ستتغيّر تمامًا. تقع مسؤولية أخرى كبيرة على كاهل الأب وهي توفير مصاريف المولود الجديد، الأمر الذي يدفع الكثير من الآباء الصغار لترك التعليم والعمل لتوفير احتياجات الطفل المنتظر.
حياة الشباب الضائعة؟
يمارس الشبان العلاقات الجنسية وعلينا أن نعترف بهذا الواقع وألا نتجاهله. تمارس الفتيات الجنس مثل الشبّان أيضا، ولكن قد يحملن ويقررنّ متابعته وولادة مولود. هذا القرار، يمكن مناقشته ولكن لا يمكن تجاهل الشجاعة الكامنة خلفه، ولا في قدرته على جعل الفتيات معزولات ومنحه شرعية للمحيطين بهنّ لنبذهن. يقوم جهاز التربية، بدلا من أن يدعمهنّ في هذه المرحلة، بإبعادهن.
على الأرجح، في الوقت الذي تكون فيه الفتيات الصغيرات اللواتي أصبحن أمهات مشغولات في تربية أطفالهن، تنتاب صديقاتهن حيرة وتساؤل حول أي فستان يرتدين في الحفلة أو قد يكنّ مشغولات في التحضيرات للامتحانات.
تأتي الصعوبة الحقيقة لدى الأمهات الشابات بعد ولادة الطفل، إذ يعتمد الكثير منهنّ على أمهاتهنّ، ولذلك تحظى والداتهن أن تصبحن جدات في عمر صغير جدًا. تبقى الفتيات غالبًا في منزل العائلة مع الرضيع الجديد. لا تُمارس حياة زوجية في هذه الحالات، ونادرا ما يتحمل آباء الأطفال المسؤولية ويساعدون على تربيتهم. تكون الفتاة الصغيرة مقيّدة برغبة أمها، الجدة، وقدرتها على مساعدتها، دعمهما النفسي والاقتصادي أثناء تربية مولودها. تُعيق كل هذه الأمور حياة الأم الصغيرة وتُصعّب تقدمها في السُلّم الاجتماعي. وهنالك، على الرغم من كل ذلك، بصيص أمل عندما لا تتخلى غالبيتهن عن حلمهن بالتقدم لامتحانات التوجيهي (البجروت)، الالتحاق بالتعليم الجامعي، والخروج إلى سوق العمل أيضا.
هناك أمر واحد واضح: تتخذ تلك الفتيات الأمهات قرارات صعبة في عمر صغير جدًا وسواء كانت تلك القرارات تُعجب المُجتمع أم لا ومهما كانت الحال يجب على المُجتمع أن يحاول احتضانهنّ دون أن يحكم عليهنّ عند رؤيتهنّ وهن يقمنّ بجر عربة أطفال، يحتضن رضيعهن، ويبتسمن عند استيقاظهنّ ليلاً لمنحه دفئا ومحبة.