حين كُشف قبل بضعة شهور أنّ وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسّست على منشآت عسكريّة إسرائيلية، لم يندهش أحد. ففي النهاية، تتجسّس الاستخبارات على دول صديقة أيضًا، وليس هذا بجَديد. لكن يبدو أنّ الأمر لا يقتصِر على التنصُّت وحدَه. فقد كشف تحقيق نشرته أمس القناة الإسرائيلية العاشرة فصلًا من أعمال التجسّس المتبادلة بين القوّة العظمى الأمريكية وبين حليفتها الشرق أوسطيّة.
هكذا مثلًا، بعد ثلاثة أيّام من ابتداء حرب 1967، في 8 حزيران، ضربت إسرائيل مدمّرة أمريكية تُدعى “ليبرتي” كانت في البحر المتوسّط. أدّى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل 34 بحّارًا أمريكيًّا، وإصابة 171. ادّعت إسرائيل الرسمية أنّ الأمر كنايةٌ عن خطأ في تحديد الهويّة، وأنّ المهاجمين ظنّوها سفينة مصريّة.
وفي الوقت نفسه تمامًا، حامت طائرة تجسّس أمريكيّة في سماء إسرائيل، وتمكنّت من اعتراض بثّ الجيش الإسرائيلي. بناءً على ذلك، ثمّة عناصر أمريكية تعتقد حتّى اليوم أنّ إسرائيل هاجمت السفينة عن سابق إصرار وتعمُّد بهدف الإشارة للأمريكيين بأن يكفُّوا عن أفعالهم.
ووفق التحقيق، فإنّ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل ليست مسؤولة عن العلاقات السياسية، الاقتصادية، والثقافية بين البلدَين فحسب، فعلى ظهر السفارة وُضعت منظومة تنصُّت وتجسُّس من الأكثر تطوُّرًا في العالم. هكذا، تخدم السفارة كواحدٍ من أكبر مراكز التجسُّس في الشرق الأوسط.
ولا يقتصر الأمر على التنصُّت. فوفق الوثائق التي سرّبها إدوارد سنودن استأجرت الاستخبارات الأمريكية شقة سرية مقابل منزل وزير الدفاع السابق، إيهود باراك، تحت غطاء مسكن لجنود مشاة البحرية (المارينز). وفقًا للتقديرات، استُخدِمت الشقّة كقاعِدة للمراقبة والتنصُّت على ما يجري داخل منزل باراك. وكانت يُفترَض أن تتعقّب أشعّة ليزر خاصّة اهتزازات أمواج الصوت في بيت باراك، وتساهم في التجسُّس.
لكنّ إسرائيل لم تجلس مكتوفة الأيدي طيلة السنوات الماضية. والمثال الأشهر هو مثال جوناثان بولارد، الجاسوس اليهودي – الأمريكي الذي قُبض عليه في الولايات المتحدة عام 1985 بعد أن نقل عشرات آلاف الوثائق السرّيّة إلى إسرائيل.
ووفق التحقيق التلفزيوني، تدّعي وثيقة استخباريّة عُرضت على مجلس الشيوخ في التسعينات أنّ إسرائيل (التي تُدعى في الوثيقة “الدولة A”) تُدير منظومة التجسّس “الأكثر عدوانيّةً” تجاه الولايات المتحدة، أكثر من جميع حلفائها. حتّى بعد اعتقال بولارد، لم تتوقف خشية الأمريكيين من وجود “خُلد” إسرائيلي في صفوف الاستخبارات الأمريكية.
وفق رئيس الموساد الأسبق، داني ياتوم، تصرّف الأمريكيون بهلعٍ في هذا الشأن، وطلبوا أن يعرفوا تفاصيل حول ذاك “الخُلد”. ووفقًا للتقديرات، أُنهي التحقيق في نهاية المطاف بعد إيعازٍ مباشر من الرئيس بيل كلينتون بإيقاف التحقيق فورًا. وسبب أمر كلينتون، وفقًا للشائعات، هو خوفه من أنّ لدى الموساد أدلّة على الفضيحة الجنسيّة التي ربطته بالفتاة مونيكا لوينسكي.