في 15 تموز 2014، في الساعة التاسعة صباحًا، وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية على العرض المصري لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وجهات أخرى في قطاع غزة وعلى إنشاء آلية لصياغة التفاهمات فيما بعد. رفضت حماس هذا العرض واستمرّت في إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل. بعد بضع ساعات امتنعت فيها إسرائيل من مهاجمة القطاع بينما استمرّت حماس في إطلاق الصواريخ، لذلك عادت إسرائيل لمهاجمة أهداف إرهابية ومنصّات الإطلاق في القطاع وهدّدت بتوسيع ملحوظ لعمليّاتها العسكرية. في هذه الأثناء، تستمرّ المحادثات لوضع تهدئة. يوضح الناطقون باسم حماس، أنّها لم تصغ بعد موقفًا نهائيًّا وفي جميع الأحوال فإنّها ترغب بمشاركة قطر وتركيا في عملية الوساطة، وكلاهما تؤيدان التنظيم.
يمكن الافتراض بأنّ إسرائيل ستنهي جولة المواجهة الحالية في حالة أفضل بكثير من حماس. “القبة الحديدية” هي الورقة الرابحة لإسرائيل. لقد اعترضت بنجاح معظم الصواريخ التي كانت في مسارات الإضرار بالمراكز السكانية ووفّرت غطاء حماية جوّي واسع فوق غالبية المراكز السكّانية في إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، نجحت إسرائيل في إحباط جميع محاولات حماس في تنفيذ عملية إرهابية استراتيجية، من البحر، من الجوّ وعن طريق باطن الأرض. ومن حيث الهجوم أيضًا، فقد نجحت إسرائيل في إلحاق أضرار كبيرة بحماس من خلال ضرب البنى التحتية للتصنيع، التخزين وإطلاق صواريخ أرض – أرض، تدمير نحو ثلث الصواريخ، وقتل نحو 100 عنصر من عناصر حماس والجهاد الإسلامي، وتم تدمير معاقل القيادة والسيطرة ومنازل قادة في الجناح العسكري لحركة حماس.
أما حماس، فمن جهتها بادرت إلى جولة صراع وتصعيد، انطلاقًا من حالة من الضائقة، حيث ليس لديها ما تخسره، وطريقة أخيرة لإيقاف التدهور في أوضاعها. وذلك من خلال إظهار القدرة على إحداث الضرر، بشكل أساسيّ من خلال ضرب العمق الإسرائيلي وتقويض الاستقرار على نطاق واسع يشمل إسرائيل، مصر، الأردن ومناطق الضفة الغربية.
إنجاز حماس الوحيد هو في إظهار القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ إلى عمق الأراضي الإسرائيلية وبشكل أساسي إلى مدن المركز وحتى حيفا في الشمال والقدس في الشرق. إنّ التقويض الجزئي للحياة الاعتيادية في إسرائيل، وإحباط جميع محاولات حماس لتنفيذ عملية إرهابية مدهشة؛ كلّ ذلك زاد فقط من حدّة الفشل للجناح العسكري لحركة حماس.
رغم التدهور غير المسيّطر عليه للمواجهة، فقد أثّرت على سلوك الطرفين مصلحة مشتركة لمنع التصعيد الواسع والتفاهم، لأنّ إسرائيل لا تسعى إلى إسقاط حكم حماس في القطاع، بسبب غياب البديل ذي الصلة، والقلق من تسلل جهات إسلامية جهادية متطرّفة إلى داخل الفراغ الذي سيتشكّل.
أوقفت هذه المصلحة الضغوط الموجهة في النظام السياسي الإسرائيلي تجاه رئيس الحكومة نتنياهو كي يطوّر ويوسّع المواجهة إلى خطوة من المناورة البرّية في عمق أراضي القطاع. في الواقع، فكما ادّعى مؤيّدو توسيع الحرب، لم يتم إنشاء صورة لانتصار إسرائيلي، ومن الصعب أن نترجم النصر في نقاط لدى الجانب الإسرائيلي لإنجاز سياسي حقيقي، بشكل واضح.
ينبغي على آليات الإنهاء والتنظيم أن تعزّز من تحقيق الهدف الاستراتيجي لكلا الطرفين. اختارت إسرائيل الإشارة إلى حماس باعتبارها المسؤولة في القطاع، جنبًا إلى جنب مع تفعيل جهد مستمرّ لإضعاف حماس، ولكنّها لم تحدّد هدف إسقاط حكم حماس في القطاع.
وفقًا لذلك، فقد عرّفت إسرائيل أهداف عملية “الجرف الصامد” بأنّها: تحسين الحالة الأمنية بواسطة وقف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل (“الهدوء يقابله الهدوء”)، استعادة الردع من أجل إبعاد جولة المواجهة القادمة، منع تأهيل وتعزيز حماس وتحسين الاستجابة لتحديد وتدمير الأنفاق الهجومية المعدّة للتسلّل وللعمليات الإرهابية في الأراضي الإسرائيلية.
أما أهداف حماس فكانت إعادة تموضعها كفاعل رئيسي، صاحبة السلطة والسيطرة على قطاع غزة، من أجل تغيير موقف مصر وإسرائيل تجاهها. وفي الوقت نفسه، تسعى حماس إلى كسر الحصار عن القطاع من خلال توسيع الحركات في المعابر لإسرائيل ومن خلال الفتح المستمرّ لمعبر رفح إلى مصر، وتحويل الأموال إلى غزة، والتخفيف في مجال صيد الأسماك، التجارة، والزراعة وغيرها.
إنّ نقطة المرجعية في صياغة تسوية لإنهاء جولة المواجهة، هي تفاهمات “عمود السحاب”. ومع ذلك، فإنّ هذه التفاهمات لا تكفي لمطالب كلا الطرفين من عدّة جوانب: بنظر كلّ طرف، فإنّ التفاهمات لم توفّر ضمانات لتنفيذ التزامات الطرف الثاني، وتطالب إسرائيل باستجابة أكثر فعالية لمنع تصنيع وتهريب الصواريخ والقذائف إلى القطاع وأيضًا توسيع حرية الجيش الإسرائيلي في العمل من الناحية الأمنية داخل أراضي القطاع، لكشف وتدمير الأنفاق المؤدية لإسرائيل. تطالب حماس برفع الحصار عن غزة، فتح المعابر، وخصوصًا معبر رفح، توسيع الحقول الزراعية حتى خطّ حدود القطاع، تحويل الأموال والتطوير الاقتصادي في القطاع. في المفهوم الذي يجب حسبه إنهاء القتال أولا، وبعد ذلك أن تتمّ المناقشة حول مكوّنات التسوية؛ فإنّ كلا الطرفين يستطيع في المرحلة الأولى الموافقة على وقف إطلاق النار.
بعد إنجاز التهدئة، ستكون هناك تخفيفات في الحصار واتفاق على سلسلة من الفعاليات لتحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، حيث سيتمّ إظهارها كإنجاز لحماس نتيجة استخدام القوة، على الرغم من أنّ التحسّن الاقتصادي لا يتعارض مع المصالح الإسرائيلية بسبب مساهمتها في إحداث الاستقرار.
تلعب مصر دورًا رئيسيًّا في تحقيق وقف إطلاق النار، وفي صياغة التفاهمات المستقبلية وتنفيذها. تردّدت مصر السيسي بين رغبتها في إنهاء حكم حماس للقطاع أخيرًا، وبين تفهّمها بأنّ إسرائيل لا تسعى لذلك، لأنّ عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية للدولة. في الوقت نفسه، ترغب مصر في أن تقلّص قدر الإمكان من مسؤوليّتها والتزامها تجاه حماس تحديدًا والقطاع عمومًا.
في البداية، بدا أنّ المصريّين قد قدّروا أنّ الوقت يمرّ لصالحهم، خاصّة طالما أنّ الجانبين يضربان بعضهما البعض وحماس ترفض قبول مقترحات الوساطة لوقف إطلاق النار. حين اتّضح للقاهرة، أنّ هناك محاولات للوساطة تجري عن غير طريقها، بشكل أساسيّ بمشاركة قطر وتركيا، قرّر الرئيس السيسي ان يقبل دور الوسيط المركزي، من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية لمصر: مكانتها كقائدة في المنطقة وكلاعب وحيد يمكنه أن يضع حدّا للصراع، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، تعزيز عباس وإدخال السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة من خلال الموافقة على فتح معبر رفح فقط إذا تمّ تشغيله من قبل السلطة ومكّنت الظروف الأمنية من تشغيله. في وقت لاحق، من المتوقع أن يطلب المصريّون نشر قوّة للسلطة على طول الحدود بين القطاع ومصر وغيرها من التدابير التي من شأنها تعميق مشاركة السلطة في القطاع.
لا ترغب إسرائيل في أن تنهي حماس العملية كمن انتصر بشرعية وحسّن موقفه، ولذلك عليها أن تحرص على توازن دقيق بين الأشياء التي تمّ تنفيذها في كلّ الأحوال، كحلّ مشكلة الأجور في غزة، زيادة حركة البضائع في معبر كرم أبو سالم وفتح معبر رفح بموافقة مصرية، مقابل الأشياء ذات القيمة الرمزية والتي يمكن عرضها من قبل حماس باعتبارها فوزًا: الإفراج عن معتقلي عملية “إعادة الإخوة” في الضفة الغربية. يبدو أنّ معتقلين كثيرين سيُفرج عنهم على أيّة حال لدى الانتهاء من التحقيق معهم لعدم إثبات ذنبهم، ولكن لا ينبغي الموافقة على الإفراج عنهم كحزمة في إطار التفاهمات.
إنّ استقرار الوضع وتعزيز المصالح المتبادلة في وقف إطلاق النار وتنفيذ التفاهمات، كلّ ذلك يتطلّب ملحقًا اقتصاديّا مفصّلا يحدّد خطوات تحسين الحالة الاقتصادية في القطاع، والذي يُلزم إسرائيل، السلطة الفلسطينية وبواسطتها حماس، مصر، المجتمع الدولي والدول العربية – وخصوصًا السعودية، قطر، والإمارات. من الضروري أنّ ترتكز المساعدة الاقتصادية على بناء البنى التحتية المدنية والاقتصادية في القطاع، مثل: شبكات المياه، مياه الصرف الصحّي والتنقية، الكهرباء، بما في ذلك إنتاج الغاز قبالة سواحل غزة، بناء مدني تحت إشراف دولي، التأكّد من أنّ موادّ البناء ليست معدّة لتشييد الأنفاق والشبكات التي في باطن الأرض التابعة لحماس، توسيع مساحة الصيد والزراعة البحرية، زيادة نطاق الحركة في المعابر وغيرها. يتطلّب ذلك إشرافًا على تحويل الأموال كي لا يتمّ إهدارها في دفع الأجور لقائمة طويلة من الموظّفين العموميّين، الذين لا يخدم معظمهم الجمهور.
في الرؤية بعيدة المدى على إسرائيل أنّ تطوّر عددًا من الفرص وهي:
1 استمرار الضغط على حماس؛ وأكثر عزلة، وأكثر انضباطا. ثمة دور مركزي لمصر في الحدّ من عملية إعادة التأهيل وتجديد كمية الصواريخ.
2مشاركة عباس والسلطة في التفاهمات. بالإضافة إلى ذلك، فعلى ضوء حقيقة أنّ عباس قد منع من توسّع الأحداث للضفة الغربية، على الحكومة الإسرائيلية أن تفهم بأنّ عباس هو الشريك للتفاهمات والترتيبات الجزئية التي هي ليست اتفاقًا دائمًا. في هذا الإطار، محاولة مشتركة مع مصر للإعادة التدريجية للسلطة إلى غزة، بداية من تشغيل المعابر وفي وقت لاحق من خلال إعطاء أدوار حيوية أخرى في مجالات أمنية، مدنية واقتصادية.
3 اختيار متجدّد لبدائل سلطة حماس في القطاع، والذي من شأنه أن يحرمها من “شهادة التأمين” بأنّ سلطتها ليست هدفًا للإسقاط.
4 تحسين القدرات الاستخباراتية والعسكرية في القتال بالمجال تحت الأرضي.
نُشرت المقالة للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS