أصبحت الحرب ضدّ الأسلحة النارية في الضفة الغربية هدفا عسكريا رئيسيا لإسرائيل في إطار مكافحة الإرهاب الفلسطيني في الأراضي. تم الحدّ من الارتفاع الحادّ في أعمال العنف، والذي سُجّل منذ تشرين الأول الماضي، بشكل تدريجي وفي النهاية تضاءلت أعمال العنف تدريجيا في الأشهر الأخيرة. ساهمت عدة أسباب في ذلك النجاح، وعلى رأسها تحسّن المراقبة الإسرائيلية لمواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية (بشكل سمح بالاعتقال المسبق لـ “الذئاب المنفردة” قبل خروجها لتنفيذ العمليات)، توثيق التنسيق الأمني مع السلطة وشعور الشعب الفلسطيني أنّ الثمن الذي دفع فيه الشباب حياتهم لم يثمر ثمارا سياسية أو ثمارا أخرى.
ولكن في الوقت الذي انخفضت فيه أعمال الطعن، ازداد اهتمام أولئك الإرهابيين الأفراد والخلايا الصغيرة العاملة من دون انتماء تنظيمي في الحصول على الأسلحة النارية، انطلاقا من إدراكهم أنّ احتمال الإضرار الكامن فيها أكبر مقارنة بالسكاكين والزجاجات الحارقة.
حتى الآن، كان استخدام الأسلحة المعيارية (مثل بندقية إم 16 أو الكلاشينكوف) في العمليات محدودا جدا. تحتفظ عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بمعظم الأسلحة المعيارية في الضفة، والتي فيما عدا حوادث قليلة لم تشارك في الأعمال الإرهابية. من المعروف أن مصنّعي الأسلحة البدائية يستغلّون قلّة الأسلحة المعيارية الموجودة في السوق السوداء (قد يبلغ سعر الإم 16 أو الكلاشينكوف الواحد نحو 13 ألف دولار وأكثر).
أدى الطلب المتزايد أيضًا إلى تحسين عمليات الإنتاج. تحدث الجيش الإسرائيلي عن مخارط تم تحويلها إلى مصانع حقيقية، تصنّع عشرات البنادق والمسدّسات كل شهر. الأسلحة الجديدة أكثر دقة، و فتكا، وتعاني من التوقف أثناء تشغيلها بشكل أقلّ مقارنة بالأسلحة البدائية التي كانت تُستخدم في الأراضي في الماضي. وفي المقابل، فإنّ بعض الخلايا المستقلة ما زال قادرا على اقتناء هذه الأسلحة: يتراوح سعر بندقية من نوع كارل جوستاف بين 500 إلى 1300 دولار، وسعر مسدس بين 2600 إلى 5200 ألف دولار. يُباع بعض هذه الأسلحة للخلايا الإرهابية. ويباع البعض الآخر للمجرمين الفلسطينيين وللمواطنين الذين يشترونها لأغراض الدفاع عن النفس في المجتمع الذي يزيد فيه العنف الداخلي مجددا (كما شهدت عملية الإعدام المتعمدة التي نفّذتها عناصر شرطة فلسطينية في نابلس ضدّ مواطن المدينة الذي كان متورّطا في قتل شرطي في نهاية الأسبوع الماضي).
تم اكتشاف هذا الاتجاه في الاستخبارات الإسرائيلية متأخرا. حذّرت الشرطة من ظاهرة الأسلحة البدائية المصنّعة في الأراضي والتي تباع للمجرمين في إسرائيل منذ عدة سنوات. ولكن بعد أن تزايدت العمليات التي يُستخدم فيها سلاح ناري في الضفة – منذ بدء العام الحالي تم إحصاء أكثر من ثلاثين حادثة – تقرّر تركيز جهود الجيش الإسرائيلي والشاباك ضدّ صناعة السلاح غير القانوني.
أجرى الجيش الإسرائيلي أمس (الثلاثاء) بعد منتصف الليل عملية جمع الأسلحة وتدمير المخارط الأكبر من نوعها حتّى الآن. داهمت القوى الأمنية خلال تلك العملية سبعة مصانع في منطقة بيت لحم والخليل واعتقلت بعض المشتبه بهم بتصنيع الأسلحة والإتجار بها. والهدف هو ضرب كل سلسلة التصنيع تدريجيا – بدءا بأصحاب المصانع، مرورا بالتجار والسماسرة وصولا إلى مشتري السلاح. هذه خطوة ضرورية على ضوء خطورة التهديد، ولكن لا ينبغي أن نتوقّع بأنّها ستقضي على هذه الظاهرة تماما. حتى الآن تم الإمساك بنحو 400 قطعة سلاح في الضفة هذا العام. في المكان الذي يسود فيه طلب واسع، واحتمال ربح كبير، فمن المرجّح أن تقام خطوط إنتاج إضافية للسلاح حتى لو زادت إسرائيل من الضغوط على من يشتغلون بذلك.
في هذه الأثناء، يبدو أنّ التوتر على حدود قطاع غزة والذي تصاعد في بداية الأسبوع، يتضاءل تدريجيا. حقيقة أنّ الهجوم الجوي المكثّف لإسرائيل يوم الأحد مساء، ردّا على إطلاق الصواريخ إلى سديروت، قد مرّ تقريبًا من دون وقوع إصابات، تسمح لحماس أن تنظر إلى القضية باعتبارها مغلقة.
استغلّت إسرائيل إطلاق الصاروخ لمهاجمة “ممتلكات تكتيكية” تم قصفها من قبل سلاح الجوّ. كرّر وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، تصريحه أنّ إسرائيل لن تسمح لحماس بحفر أنفاق هجومية من القطاع إلى داخل بلدات غلاف غزة.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس“